عاد مهاتير محمد، زعيم ماليزيا السابق، للبلاد أمس (الأربعاء) بعد رحلة للخارج، وقال إنه سيذعن لأي تحقيق تجريه الشرطة بشأن التعليقات التي أدلى بها ضد رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق في تجمع حاشد مناهض للحكومة الشهر الماضي. وكان مهاتير قاد طالب باستقالة نجيب بسبب مزاعم بسوء التدبير والفساد تتعلق بأصول صندوق «إم دي بي» للتنمية المثقل بالديون. وقد أثار موقفه القوي، وتصرفات نجيب لخنق المعارضة في حزب «المنظمة الوطنية المتحدة للملايو الحاكم»، مخاوف كبيرة من حدوث انقسام داخل الحزب، الذي قاد كل حكومة من حكومات البلاد منذ حصول ماليزيا على استقلالها عام 1957. كما زعزع الغموض السياسي ثقة المستثمرين في اقتصاد البلاد، حيث خسرت عملة ماليزيا (الرنغيت) 19 في المائة من قيمتها أمام الدولار حتى الآن هذا العام، وانخفضت إلى معدلات غير مسبوقة منذ الأزمة المالية الآسيوية من 17 عامًا. وكان مهاتير البالغ من العمر 90 عامًا، قد فاجأ الكثيرين في الحزب الحاكم وكذلك أحزاب المعارضة، عندما انضم إلى عشرات آلاف المحتجين في تجمع حاشد استمر ليومين في كوالالمبور، نظمه نشطاء مناهضون للفساد الشهر الماضي. وتحدث مهاتير في التجمع الحاشد، الذي وصفته سلطات المدينة بأنه غير قانوني، ووصف نجيب بأنه زعيم فاسد، وقال إن الشعب لا يريده. لكن الشرطة الماليزية قالت إن تصريحاته تستدعي فتح تحقيق، إلا أن مهاتير ظل على تحديه، حيث قال للصحافيين وعشرات من أنصاره الذين تجمعوا في المطار لاستقباله عند عودته بعد رحلة خاصة إلى الأردن «دعوهم يحققوا.. فهذه هي مهمتهم». وردًا على سؤال عن إمكانية اعتقاله لممارسة حقوقه الدستورية أجاب مهاتير بالقول: «لا أعتقد أنهم سيفعلون لك ولكني سأذعن». ويواجه نجيب أكبر أزمة في تاريخه السياسي بعد تقارير إعلامية بتحويل غامض لأكثر من 600 مليون دولار إلى حساب مصرفي باسمه، ولذلك تمت الدعوة للمظاهرات بهدف الضغط لاستقالته بأسرع وقت. وقام العشرات من المؤيدين بتحية مهاتير، الذي حكم ماليزيا بقبضة من حديد من سنة 1981 وحتى 2003، وقال مفتش الشرطة الجنرال خالد أبو بكر إنه سوف يتم استجواب مهاتير على خلفية الخطاب الذي أدلى به خلال مظاهرة الشهر الماضي، عندما اتهم بعض أعضاء التحالف الحاكم بتلقي رشى، كما قال إن المظاهرات مبررة الآن لأن نجيب أغلق جميع السبل أمام المواطنين للإعراب عن سخطهم على الحكومة. يشار إلى أن نجيب يتعرض لانتقادات عنيفة حتى من داخل حزبه الحاكم، وذلك منذ أن أشار تقرير نشر في صحيفة «وول ستريت جورنال» في يوليو (تموز) الماضي إلى أنه تم اختلاس 673 مليون دولار من صندوق للتنمية، وتم تحويلها لحساب نجيب. وقد نفت الحكومة هذه الاتهامات، بقولها إن الأموال جاءت على هيئة تبرعات من مصادر لم تحدد هويتها. من جانبها، اتهمت السلطات في ماليزيا ثمانية نشطاء وزعماء للمعارضة مساء أول من أمس بتنظيم سلسلة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في وقت سابق من العام الحالي. لكن جميع الأشخاص الثمانية نفوا التهمة أمام محكمة ابتدائية بكوالالامبور. وكانت عمليات الاحتجاج جزءًا من حملة شنها عدد كبير من المواطنين، بعد أن صدر حكم على زعيم المعارضة أنور إبراهيم بالسجن لمدة خمسة أعوام في فبراير (شباط) الماضي بتهمة يقول مؤيدون إنها مفبركة. وانتقدت منظمات حقوق الإنسان، ومن بينها منظمة العفو الدولية هذه الاتهامات، باعتبارها تمثل اضطهادًا سياسيًا، واعتبرت أنور بمثابة «سجين سياسي» لأن الشرطة الماليزية اعتبرت الاحتجاجات التي نظمت في فبراير ومارس الماضيين غير مشروعة، وقال إن منظمي المظاهرات لم يتقدموا للحصول على التصاريح اللازمة لتنظيمها. ومن بين الذين مثلوا أمام المحكمة ماريا تشين عبد الله، مديرة الائتلاف من أجل انتخابات حرة ونزيهة، والمعروفة جماهيريا بلقب «بيرسيه» التي تعني باللغة المحلية «نظيف اليد». كما نظم الائتلاف أيضا مسيرات استمرت طوال الليل في العاصمة منذ أسبوع للضغط على نجيب عبد الرزاق رئيس الوزراء لتقديم استقالته. وذكر موقع «مالاي ميل» الإخباري الإلكتروني، أن نجيب وصف المحتجين بأنهم «مهووسون بالديمقراطية»، ونقل الموقع عنه قوله: «إن المسألة لا تتعلق بمنعكم عن التظاهر، ولكن إسقاط الحكومة من خلال المسيرات الاحتجاجية هو عمل منافٍ للدستور والقوانين السارية». ويواجه المتهمون في حالة إدانتهم دفع غرامة تصل إلى عشرة آلاف رينغت (2300 دولار). وقد مثل أمام المحكمة أيضًا أمس النائب المعارض سيم تزي تزين المنتمي لحزب عدالة الشعب الذي يرأسه أنور إبراهيم، وسيتعرض سيم لفقدان مقعده البرلماني في حالة إدانته. وقال سيم: «بالنسبة لي فإن هذا ثمن يتعين علي أن أدفعه مقابل مقاومة ما هو خطأ في بلادنا، وهم لن يستطيعوا إسكاتي أبدًا، فأنا مقاتل».
مشاركة :