كان لافتاً أخيراً تصريح رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، الذي أكد أنه ينوي استثمار بليون دولار في مصر بعد إقرار الدستور في 2014، فهذا التصريح يبيّن الأهمية التي يوليها رجال الأعمال لتطور النظام السياسي واستقراره واعتماده على أسس دستورية واضحة. تعاني مصر تراجعاً في مؤشرات الاقتصاد الكلي، فهناك أزمة في ميزان المدفوعات وعجز في الموازنة وارتفاع في مستويات البطالة وتعطل مهم في السياحة والصناعات التحويلية. ولم تتمكن مصر منذ ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 من التوصل إلى معالجات موقتة لمشاكلها العاجلة، فظلت تعتمد على المعونات والتسهيلات التمويلية الميسرة التي تقدمها بلدان الخليج. وإحدى المعضلات التي عطلت الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 4.8 بليون دولار، الدعم السلعي الذي يشمل الوقود والغذاء الذي يكلّف 1.5 بليون دولار شهرياً. فوقف الدعم أو ترشيده على الأقل، سيمثل تحدياً سياسياً مهماً للحكومة نظراً إلى تراجع مستويات المعيشة وارتفاع أعداد العاطلين من العمل وازدياد أعداد الفقراء. كذلك اكتنفت المفاوضات قضايا تحصيل الضرائب على أسس مقنعة وترشيد الإنفاق الحكومي الجاري ومعالجة التوظيف المفرط في الحكومة وشركات القطاع العام. وهذه مسائل تقليدية في محادثات أي من الدول التي ترجو الحصول على قروض من المؤسسات المالية العالمية أو المصارف التقليدية. بلغ عجز الموازنة في مصر مستوىً مرتفعاً عام 2012 عند 10.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع نمو الناتج الصناعي إلى 1.1 في المئة، فيما ارتفع معدل البطالة إلى 12.5 في المئة، وفق أرقام رسمية، وثمة من يزعم ان الوضع أسوأ. ومنذ كانون الثاني 2011، تدنى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ في الربع الأول من العام اثنين في المئة. ويقدر الناتج المصري عام 2013 بنحو 255 بليون دولار، ما يعني ان نصيب الفرد لا يزيد عن 2800 دولار، إذ ان سكان مصر تجاوزوا 90 مليون شخص. ولكن هذا المستوى الذي قد يكون مقبولاً لإحدى دول العالم الثالث، تقابله حقائق، كعيش ما يربو على 20 في المئة من المصريين تحت خط الفقر المتعارف عليه دولياً، فيما يعاني 17 في المئة من المصريين انعدام الأمن الغذائي، وترتفع النسبة بين الأطفال دون سن الخامسة إلى 31 في المئة. لذلك أصبح الدعم الحكومي عاملاً مهماً من عوامل الحياة والمعيشة إذ يعتمد 70 في المئة من سكان مصر على بطاقات التموين. ولا شك في ان كثيرين ممن اندفعوا إلى الشوارع من أجل تغيير النظام السياسي في كانون الثاني 2011 كانوا يأملون في تحسين أوضاعهم المعيشية والحصول على فرص عمل مواتية. بيد ان السنتين ونصف السنة الماضية، خصوصاً أثناء حكم الرئيس محمد مرسي بين 30 يونيو (حزيران) 2012 و3 يوليو (تموز) 2013، لم يتحقق خلالها أي تطور إيجابي في الأوضاع الاقتصادية أو مستويات المعيشة، بل تراجعت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتأزمت من دون استشراف لأي تحولات إيجابية. ولذلك شارك الملايين في الثورة على مرسي آملين في الوصل إلى نظام سياسي يتمكن من تحسين الأوضاع الاقتصادية. ولكن معالجة أوضاع الفقر والبطالة وإنعاش القطاعات الحيوية، مثل الصناعات التحويلية والسياحة، يتطلبان فلسفة اقتصادية ملائمة تحفز القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وتؤكد جاذبية القطاعات الاقتصادية في البلاد. ويبدو ان تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر لن يكون ممكناً في الأمد القريب من دون حدوث متغيرات في المشهد السياسي والأنظمة الاقتصادية. والمتوقع من السلطات المصرية ان تعزز عملية التحول نحو الديموقراطية بوتيرة أسرع كي تمهد الطريق أمام إمكانيات جذب الاستثمار في ظل قوانين واضحة ومستقرة. واضح ان قدرات البلاد على مواجهة التزاماتها الخارجية، خصوصاً مدفوعات الواردات السلعية الأساسية، أصبحت متواضعة بفعل تراجع الإيرادات السيادية، بعد انخفاض الاحتياطات إلى نحو 15 بليون دولار هذا العام من 36 بليون دولار عام 2010، وانخفض سعر صرف الجنيه إلى سبعة جنيهات للدولار من 5.4 نهاية 2010. ويتلخص ما يمكن ان تقوم به الإدارة السياسية الراهنة في إقرار دستور يكون مقبولاً من أوسع الشرائح في المجتمع المصري ويعزز الوحدة الوطنية من خلال مواد وبنود تؤكد حقوق كل الفئات، وكذلك السعي لإنجاز انتخابات تشريعية ورئاسية ذات صدقية وخلال فترة زمنية معقولة لا تتجاوز منتصف العام المقبل. ولا بد من اتخاذ إجراءات لتعزيز فرص الاستثمار وتشجيع تدفق السياح وإصلاح بنية القطاع الصناعي والسيطرة على الفوضى العمالية في هذا القطاع. سيكون الجانب المتعلق بالاقتصاد عسيراً في المراحل ذات الأجل القصير ولكن لا بد من وضع أسس ملائمة للانطلاق على طريق الإصلاح المالي وإعادة هيكلة الاقتصاد بموجب المعايير الدولية. وربما يشعر الاقتصاديون بأن مصر لا يمكن ان تظل معتمدة على مساعدات بلدان الخليج وتمويلاتها، فهي ليست مضمونة لأمد طويل، كما أنها لا تتسق مع تطوير القدرات الذاتية للاقتصاد المصري. وفي المقابل، لا بد من ان تستمر بلدان الخليج في توفير الدعم لمصر خلال السنوات القليلة المقبلة لتمكينها من تعزيز قدراتها الوطنية. كذلك لا بد من ان تظل مصر قادرة على الحصول على تمويلات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والحكومات الغربية الرئيسة. كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية - الكويت
مشاركة :