الدلالات الاستراتيجية لزيادة حلف الناتو قواته في العراق

  • 3/1/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في أعقاب انتهاء اجتماع وزراء دفاع حلف الناتو على مدى يومي 18و19 فبراير 2021 قال ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف إن دول الحلف «سوف تزيد عدد الأفراد الذين تنشرهم لغرض تدريب قوات الأمن العراقية من 500 إلى 4000 فرد بشكل تدريجي»، وأضاف «أن الهدف هو منع ظهور تنظيم «داعش»، وأن المهمة جاءت بناءً على طلب من الحكومة العراقية، وأن ذلك يتم مع الاحترام الكامل لسيادة العراق ووحدة أراضيه». يعود تاريخ عمل بعثة الناتو في العراق إلى عام 2004 عندما طلبت الحكومة العراقية المؤقتة آنذاك من الحلف الاضطلاع بدور تدريبي لقوات الأمن، وهو ما استجاب له الحلف من خلال بعثة مكونة من 50 فرداً وفقاً لقرارات قمة الحلف في استانبول في ذلك العام، ثم تمت زيادة تلك القوات إلى 360 في عام 2005، وخلال الفترة من 2004 حتى 2011 قام الحلف بتدريب حوالي 15000 من قوات الأمن العراقية، أما بعثة الحلف الأخيرة فقد تم إعلانها رسمياً في عام 2018 وذلك بالتوازي مع عمل بعثة استشارية للغرض ذاته تمثل الاتحاد الأوروبي وقد بدأت عملها في عام 2017. وعلى الرغم من أن إرسال الحلف بعثات تدريبية لزيادة كفاءة قوات الأمن هي إحدى آليات التعاون بين الناتو والدول الشريكة وخاصة ما بعد حقبة الحرب الباردة حيث كان للحلف خبرات ممتدة بشأن إصلاح قطاع الأمن في دول أوروبا الشرقية وكذلك في أفغانستان، فإن زيادة الحلف لقواته في العراق ثمانية أضعاف تعكس عدداً من الدلالات المهمة سواء بالنسبة للحلف ذاته أو بالنسبة للعراق، بالإضافة إلى الدلالات الإقليمية لذلك القرار. بالنسبة للحلف ذاته، المعروف أن عمل الحلف خارج أراضيه دائماً ما يرتبط بثلاثة متطلبات، وهي وجود قرارات أممية، وتوافق بين الدول الأعضاء، ثم طلب الدولة المعنية، وفي حالة العراق استند الحلف إلى قرار مجلس الأمن رقم 1546 والصادر في يونيو 2004 وطالب في الفقرة الخامسة عشرة منه «الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والإقليمية بتقديم المساعدة للقوة متعددة الجنسيات حسبما يتم الاتفاق عليه مع الحكومة العراقية». من ناحية ثانية فإن قرار الحلف جاء في أعقاب التصريحات التي أدلى بها لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي في 5 فبراير 2021 ومفادها أنه «بناءً على أمر من الرئيس جو بايدن فإنه سوف يبدأ في مراجعة الوجود العسكري وانتشار عناصر جيشه حول العالم وموارده واستراتيجيته ومهامه، وذلك بعد التشاور مع الحلفاء والشركاء»، وفي ظل إسهام الولايات المتحدة بنسبة 75% من ميزانية الحلف فإنه من الطبيعي أن تتسق أهداف الحلف مع الدولة الأكبر بين أعضائه. من ناحية ثالثة، على الرغم من إطلاق حلف الناتو مبادرة اسطنبول للشراكة مع دول الخليج العربي والتي انضمت إليها أربع دول وبقيت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارجها فإن الحلف يدرك أن العراق جزء لا يتجزأ من الأمن الإقليمي يتفاعل معه تأثراً وتأثيراً، الأمر الذي حدا بالحلف منح العراق صفة شريك خارجي في عام 2011 ثم التوقيع على برنامج الشراكة والتعاون الفردي مع العراق عام 2012. أما بالنسبة للعراق ففي ظل التحديات الأمنية التي يواجهها فإن تأسيس شراكة استراتيجية مع منظمة بحجم الناتو لتدريب قوات الأمن يكتسب أهمية كبيرة ليس لتدريب تلك القوات فحسب وإنما المساهمة في تأسيس عدد من المؤسسات الأمنية والدفاعية، منها كلية القيادة والأركان وكذلك كلية الحرب العليا، وجميعها نتائج عدة زيارات متبادلة بين مسؤولي الحلف ونظرائهم من العراق، ومنها زيارة عدد من الضباط العراقيين للمؤسسات التعليمية للحلف سواء كلية الدفاع لحلف الناتو في إيطاليا أو مركز الناتو للحرب في النرويج، ولا شك أن تلك النتائج تعكس مفهوم الناتو لما يطلق عليه «الأمن الناعم» بشكل مغاير للصورة التقليدية للحلف كمنظمة دفاعية ارتبط اسمها بالأزمات والحروب الكبرى وخاصة إبان حقبة الحرب الباردة. وعلى صعيد الدلالات الإقليمية لذلك القرار، على الرغم من أن مهام تلك البعثة ليست قتالية فإنها سوف تواجه تحديات أمنية سواء من جانب تنظيم «داعش» أو المليشيات المسلحة التي تدعمها إيران والتي لطالما دأبت على استهداف السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء من خلال إطلاق عدة صواريخ في محيطها الأمر الذي حدا بالولايات المتحدة لتفعيل منظومة صواريخ دفاعية لحماية سفارتها هناك، إلا أنه مع وجود 4000 فرد تابعين للحلف فإنه ثمة تساؤل يطرح ذاته وهو: في حال زيادة المخاطر الأمنية هل يمكن أن تتحول مهمة الناتو إلى مهام قتالية؟ ولا أبالغ في القول إن الإجابة عن هذا التساؤل لا تقل تعقيداً عن تعقيد بيئة الأمن الإقليمي ذاتها، ومع أن ممارسة الردع تعد استراتيجية ثابتة للحلف بل إنها جوهر عمله، فإن عمل الناتو خارج أراضيه دائماً ما يكون وفقاً لكل حالة ومتطلباتها، إلا أن الأمر اليقين هو أننا بصدد تنامي دور حلف الناتو خارج أراضيه، في ظل قدرته على التأقلم مع حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة من خلال شراكات ضمت أكثر من 55 دولة في العالم، من بينها الحوار المتوسطي بين الناتو و7 دول شرق أوسطية عام 1994 ومبادرة اسطنبول التي أطلقها الحلف عام 2004 وانضمت إليها أربع دول خليجية، وحديثاً كان الحلف هو الآلية العسكرية الدولية التي استطاعت حسم الأزمات، منها تدخل الحلف في الأزمة الليبية عام 2011. ويعني ما سبق أن الحلف سوف يكون جزءًا من الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة التهديدات الإقليمية الراهنة، في مقدمتها أمن الملاحة البحرية حيث للحلف بالفعل قطع بحرية ضمن الجهود الدولية لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، وفي الإطار الأكبر يوجد للحلف قوات بحرية تسمى «المسعى «النشط» في البحر المتوسط مهمتها تفتيش السفن المشتبه بقيامها بعمليات مشبوهة. صحيح أن المادة الخامسة تعد معوقاً أمام الحلف للتدخل خارج أراضيه والتي حددت التدخل بوجود اعتداء مباشر على دولة عضو في الحلف إلا أن الناتو قد شهد تحولاً خلال العقود الماضية من خلال إصدار «المفهوم الاستراتيجي» كل عشر سنوات كنوع من المراجعة الأمنية ليتكامل مع الميثاق المنشئ للحلف ولا يتعارض معه. وبنظرة سريعة على المفهوم الأخير الصادر عام 2010 نجد أنه قد نص على «أن صراعات ما وراء الحدود الجغرافية للحلف يمكن أن تشكل تهديداً مباشراً لأمن الحلف ومن ثم فإن الحلف سوف يعمل حيثما أمكن على استقرار تلك المناطق وإعادة بناء مؤسساتها» وهو ما يعني أن هناك أسسا ومرتكزات لعمل الحلف خارج أراضيه، من بينها منطقة الخليج العربي ضمن مبادرة اسطنبول والعراق كشريك إقليمي.  ‭{‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»

مشاركة :