إذا كان التوريث السياسي فيما سمي الجملوكيات العربية ، وهو مصطلح يمزج الممالك بالجمهوريات قد نجح في بعض البلدان وأخفق أو تم إجهاضه في أخرى، فإن ما نجح بامتياز هو التوريث الفني، سواء تعلق بالدراما التلفزيونية أو السينما، وأصبحنا نقرأ على الشاشات أسماء ثلاثية يحرص فيها الأبناء على ذكر أسماء آبائهم، للتذكير بهم أو ربما اعترافاً بالفضل. ونستطيع ذكر عشرة أسماء على الأقل ممن كان لهم نصيب في وراثة الفن، وقد يكون من بينهم موهوبون أو كما يقال في المثل الشعبي فرخ البط عوام، لكن منهم من لا يملك غير وراثة الاسم، لهذا فهو يعيش عليه ويتغذى عليه أيضاً وبالتالي يفقره لأنه يستلف ويقترض من شهرته ولا يضيف إليه. ربما كان انصراف الانتباه إلى التوريث السياسي هو السبب في شيوع ظاهرة التوريث الفني، فلم يكن هناك من الرفاهية ما يكفي لرصد هذه الظاهرة. وقد يغيب عن البعض أن النار تخلف رماداً في بعض الأحيان، فالنسب وحده لا يكفي قدر تعلقه بالإبداع والفنون، وقد يكون ابن واحد من أبرز الشعراء طبيباً أو مهندساً ولا يضيره ذلك بل يضيف إليه امتيازاً علمياً، وقد يكون ابن مطرب أقام الدنيا وشغل الناس صاحب حرفة لا علاقة لها بالفن لكنه متفوق فيها، أما إصرار البعض على جعل التوريث الفني موازياً للتوريث السياسي فذلك به إجحاف مزدوج، إجحاف بحق الذات أولاً لأنها استخدمت المفتاح الخطأ في الباب الخطأ، وحرمت نفسها من تجريب حظها في مجال آخر. والإجحاف الآخر بحق الناس الذين لا ذنب لهم في أن تفرض عليهم أصوات أو أدوار فنية عليهم تحملها وتقبلها لمجرد النسب. لقد بدأت هذه الظاهرة قبل عقود على درجة من الاستحياء والتردد لكن الصمت عنها جعلها تنمو وتتمدد وتستمد شرعيتها من التكرار. أما الشيء الآخر المضاد لهذه الظاهرة والذي يستحق التقدير فهو لجوء بعض الأبناء الى استخدام أسماء منها ما هو مستعار أو يحذف اسم الأب ويبقي على اسم العائلة كي يحققوا الذات بعصامية وبمعزل عن أية التباسات أو مؤثرات. ومن هؤلاء العصاميين كتاب وشعراء ومسرحيون وفنانون أيضاً. ونفاجأ أحياناً بأسمائهم الحقيقية لأنهم انجزوا إبداعاتهم بلا اتكاء على أي ميراث. منصور
مشاركة :