يتناقض مع الإسلام رفض غير المسلمين، إذ الإسلام يطالب المؤمنين أن يتقبلوا بعضهم بعضاً، بل ويجب على المسلم أن يؤمن بالكتب التي أنزلها الله من قبل. «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (سورة العنكبوت -46)، ولا يعني ذلك بحال من الأحوال أننا نتخلى عن الإسلام أو ننشئ ديناً جديداً، ولا يعني بالضرورة أيضاً اتفاقاً أو تحالفاً سياسياً. فالإنسانية أشمل من الدول. والإيمان بالله أسمى من تفسيره سياسياً، والخلاف أيضاً لا يعني خلافاً في كل شيء، فالأمم تختلف وتعادي بعضها بعضاً، لكنها تظل متفقة ومتعاونة في الوقت نفسه على القيم الإنسانية الكبرى والجامعة، كما أن الخلاف السياسي حتى بين المسلمين أنفسهم لا ينفي صفة الإسلام أو الإيمان بالله عن أطراف النزاع أو الخلاف. فأن نكون مسلمين لا يعني أننا متفقون سياسياً، بل قد يكون النزاع قوياً وكبيراً، ولا نقول أيضاً للمسلم الآخر الذي نختلف معه أو نعاديه إنه كافر أو غير مسلم. هذا الإقحام للإيمان بالله في الخلافات السياسية يلحق ضرراً بقيم الإيمان، فالإيمان بالله ثابت، والخلافات متغيرة ومتحركة، والعداوة والتعاون والخلافات تتبع مصالح الأمم وقيمها. ومن البداهة أن نميز بين الدين وأهله وبين القيم الدينية ومواقف الدول واتجاهاتها. وعلى سبيل المثال، إذا جرت تسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي وقبلت بها أطراف الصراع، فإن ذلك لا يغير موقفنا من اليهودية، كما أن الصراع أيضاً لا يمتد إلى صراع ديني مع اليهودية كدين، لقد كان اليهود والمسلمون يعيشون معاً على مدى التاريخ، ولا يجوز أن تكون رؤية العرب والمسلمين لليهودية كدين مستمدة من تجربة الصراع في القرن الأخير، ولو احتلت دولة مسلمة أراضي دولة مسلمة أخرى، فإن أهل الدولة المحتلة وحلفاءها وأصدقاءها ومؤيديها يدخلون في صراع مع المحتل حتى لو كان مسلماً، فهل يتغير رأينا في الإسلام لأن دولة إسلامية احتلت دولة أخرى أو جزءاً من أراضيها؟ إن الصراع السياسي حتى لو بلغ أقصى مداه في العداء والحروب، هو ليس سوى سعي للحصول على تسويات ومطالب، ولا يعني إلغاء الآخر أو رفضه إلى الأبد، فالحروب والصراعات هي ابتداء وبالضرورة اعتراف متبادل بين الأطراف، وإقرار بأن أحداً من الأطراف يحتاج إلى الآخر أو لا يستغني عنه، وليس الصراع سوى تصحيح قواعد العلاقات والتنافس والتعاون بين الأمم. هل نتنازل عن حقوق الأمم والدول لأجل أن أطراف الصراع مسلمون؟ أو نرفض قطعياً وكلياً الدول التي تدخل في خلاف أو صراع مع مسلمين؟ ماذا عن قوله تعالى عن فئة من المسلمين «وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق»؟ الأمم والدول المتقدمة والناجحة قادرة على الاختلاف والتعاون معاً، وتمضي في خلافات وصراعات أو في تنافس وتعاون، وهي في الوقت نفسه تحمل قيم الأخوة الإنسانية وتعلي من شأنها، وتجعل السلام أولوية والصراع آخر خطوة، فليس العداء والكراهية مصلحة لأحد، وليس هواية، ولا يعطي قيمة إيجابية لأصحابه وليس بطولة ولا دينا ولا وطنية ولا قومية. الأديان الكبرى، على وجه الخصوص، أخذت وضعاً راسخاً وواضحاً، ولا يستطيع أحد - أي أحد- أن يغير فيها شيئاً، ولا أحد يريد ذلك سوى المحاربين الدونكيشيتيين والمنفصلين عن الواقع. وكمسلمين معاصرين، نظل محكومين بأن نكون جزءاً من العالم يتقبلنا ونتقبله، وأن نظل نهجس بالسؤال الأساسي: كيف نضمن ألا يتكرر التطرف الديني؟
مشاركة :