هيروشيما.. استعارة عن الحب والموت

  • 3/6/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في صیف عام 1957، تسافر ممثلة فرنسیة طموحة إلى هـیروشیما في الیابان للعمل على فیلم مناهـض للحرب. دمرت المدینة بالكامل عندما ألقى الأميركیون قنبلة نوویة علیها في نهایة الحرب العالمیة الثانیة، ولكن الآن أعید بناؤهـا ولا تظهر علیها علامات الدمار الماضي. خلال إقامتها القصیرة، تلتقي المرأة بمهندس معماري یاباني ویتمتع الاثنان برومانسیة عابرة، إنها حریصة على التحدث عن هـیروشیما، لكنه یصرّ على أنهـا لم تر شیئًا في المدینة. یبدأ الفیلم بواحد من أكثر المشاهـد الافتتاحیة -لفتًا للانتباه في السینما- وهـو عبارة عن مونتاج مؤلف بشكل جمیل وحميمي من اللقطات المقربة لزوجین. رجل وامرأة مستلقيان على ذراعي بعضهما البعض في هيروشيما. تملأ أجسادهم الشاشة في صورة مجردة مضيئة من الرغبة. لم یسبق أن تعرّض الجمهور لمثل هـذا التعبیر العلني عن الرغبة، ومع ذلك فإن هـذا التسلسل المصمم ببراعة یتجاوز مجرد الإثارة. تروي «إيلي»، علاقتها الغرامیة الأولى، مع جندي ألماني قبل تحریر فرنسا مباشرة في عام 1944. نظرًا لأن «لوي»، الرجل الیاباني لا یزال یعاني من صدمة بسبب تذكّره للانفجار، فإن المرأة الفرنسیة لا تزال تعاني من الندوب الكئیبة لمغامرتها العاطفیة الأولى. كلما فكروا أكثر في ماضیهم، كلما أدرك بطلا الروایة أنهما واقعان في الحب. «هيروشيما حبيبتي»، تحفة حداثیة تجمع بین قصة حب مؤثرة استثنائیة مع انعكاس كئیب على وحشیة الإنسان تجاه الإنسان. إنه فیلم لایزال یتمتع بصدى قوي، لیس فقط لأنه یتعامل مع موضوعات عالمیة وغیر قابلة للتغییر، ولكن لأنه یجلب قربًا مرعبًا من احتمال الإبادة النوویة. قد لا یبدو الحب والدمار الشامل العالمي بمثابة رفقاء محتملین، لكن تجاورهـم في هـذا الفیلم فعّال للغایة ویعید التناقض الكبیر في التجربة الإنسانیة، وقدرتنا على الحب وشنّ الحرب بنفس الشدة. لعل عدم قدرتنا على نسیان ما حدث لهیروشیما هـو تعبیر عن الحب، ولكن هل هو مجرد ذنب یتنكر في شكل حب؟ هـذا الارتباك العاطفي هـو في جوهـره ما یدور حوله هـذا الفیلم. واحدة من العناصر الرئیسة للفیلم -العلاقة بین الوقت والذاكرة- هـي تلك التي كان «رینیه»، یستكشفها في العدید من أفلامه اللاحقة (ولكن لیس بالوضوح الشدید الذي نراه هـنا). نظرًا لأن حقائق الماضي والحاضر للبطلة متداخلة، نشعر أن الوقت هـو ظاهـرة خادعة تمامًا. تمحو الذاكرة أي فكرة عن الفصل الزمني، كما لو أن مجموعتین من تجارب البطلة تحدثان بشكل متزامن، إحداهـما تلوّن الأخرى. أول فیلم روائي طویل من إخراج «آلان رینیه»، فیلم بدأ كفیلم احتجاجي ضد القنبلة الهـیدروجینیة. بعد عدة محاولات، أدرك «رینیه»، أنه غیر جاهز لتصویر فیلم عن القنبلة الذریة. اعترف بنفس القدر للروائیة «مارغریت دوراس»، فأجابت: لماذا لا نجعل الفیلم قصة حب؟ ناشدت هـذه الفكرة الواقعیة «رینیه»، ولذلك أقنع «دوراس» بكتابة السیناریو، وهـو الأول لها في السینما. لم تكتف «دوراس»، بإخراج «رینیه»، من مأزقه الإبداعي فحسب، بل مكّنته أیضًا من صنع واحدة من أرقى القطع الفنیة السینمائیة، وهـي قطعة تستحق نسبة لا بأس بها من الفضل جنبًا إلى جنب مع الممثلیين الرئیسیین، «إیمانویل ریفا» و»إیجي أوكادا».

مشاركة :