عن الكتابة والحب والموت

  • 1/7/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم يبق لنا غير الكتابة وغير الاحتفاء بها والاحتفاء بالجمال الذي قد تفرده على مساحة ما مهما كانت صغيرة، في وسط كل هذا الخراب والموت اليومي تبدو الكتابة هي المنقذ الوحيد لنا، هي ملجأنا النبيل الوحيد للهروب من سفاهة الحرب ومن سفاهة الدم ومن سفاهة السياسة ومن سفاهة السلاح ومن سفاهة العنف ومن سفاهة المتاجرين بكل ذلك، في وسط هذا التبشير المفزع بالظلام أيضا تبدو الكتابة هي بقعة الضوء المشعة والمتحدية والمعارضة والثائرة وهي فسحة البياض التي تكسر عتمة الروح، وهي السد الذي يختزن الماء اللازم لمقاومة الجفاف والغبار الذي يصنعه الموت العبثي والقتل العشوائي ومشهد الدم اليومي، هي قطعة الخبز الوحيدة التي يقدر ملمسها الطيب أن يتصدى لتفاهة الشر الإنساني ورعونته وعفونته، الكتابة للكاتب هي علاجه الأول وربما الوحيد كي لا يصاب بعدوى الشعوبية التي أصبحت شديدة الابتذال لفرط ما تاجر بها تجار الحروب ومثقفو المذاهب والطوائف وعرابو الإعلام المجند لخدمة رأس المال العالمي العابر للقارات والأوطان والأمكنة، الكتابة للكاتب هي قطعة حلوى تقي فمه مرارة الحزن وتقي روحه مرارة القهر وتقي قلبه مرارة الخيبات والانكسارات المتلاحقة، هي نبتة الأمل التي يسقيها كل يوم ويفتح لها نافذة الهواء والشمس كي لا يقهره التصحر الذي تفرشه السياسة كل لحظة، ورغم صعوبتها واستعصائها في داخل هذه الفوضى المرعبة، إلا أن ما تحمله من تفاصيل تساعد على إعادة ترتيب ذات الكاتب وبالتالي ترتيب عالمه الخاص واقتراح ترتيب للعالم المحيط به يجعل من استعصائها حالة من الشغف بها، ومن توتر انتظارها ما يشي بنتائج حدوثها، كما لو كانت حالة حب وانتظارها هو انتظار المحب لمحبوبه. مثل الكتابة للكاتب، ثمة الحب أيضا للجميع، الحب الذي يبدو في شكل من أشكاله حالة من فقدان التوازن اليومي، لكنه في حقيقته ليس سوى طريقة من طرق التوازن للعيش في هذا العالم الفاقد صوابه، قد لا يعيد الحب الأشياء إلى نظامها كالكتابة، على العكس تماما، هو يخلق حالة من فوضى الداخل، حالة من التوتر الفوضوي إن صحت التسمية، حالة من الألم المصاحب لهذا التوتر، لكنه الألم الخاص، الألم الذي يصنعه المحب بيديه وبقلبه ليكون لصيقا به وتفصيلا من تفاصيل حياته وحده، ليستبدل به ألما عاما، ألما مشاعا، وطنيا ربما أو إنسانيا، يتشاركه الجميع، حيث في الألم العام يلتغي التفرد والخصوصية، تلتغي خصوصية الألم، يصبح في متناول الجميع ومكشوفا للجميع، الحب يجعل من المشاع خاصا، يمسك هذا الألم العام ويقلصه ليصبح شخصيا وخاصا وسريا، لا يدري أحد به، وهكذا يتفرد صاحبه به، هو يشارك الجميع الألم ، لكن التفاصيل لا يعرفها غيره، لا يشعر بنارها غيره، هنا يصبح الحب ملجأ أيضا، ومأوى حميميا للراغبين بالسقوط من الفراغ الذي يتسبب به الموت العبثي، يصبح مثل مخزن لتجميع الهباء الذي يخلفه العنف والدم، ويصبح مثل طاقة ضوء صغيرة أعلى السقف الخشبي تخترق احتمالات الظلام الواقعة، ومثل الكتابة، الحب صعب وعصي ويحتاج لتدريب دائم كي يعود كلما ذهب، وكي يخضر كلما يبس ولكي ينمو كلما اضمحل، عكس الحقد والكراهية، الحقد سهل وهو حليف للدم وحليف للعنف وحليف للحرب وحليف للموت، يساعدونه على النمو والتغلغل، الحب حليف الحياة والسلام، من هنا تأتي صعوبته، من صعوبة الحياة نفسها ومن صعوبة بسط السلام، لهذا أيضا حين يحدث يظهر كشعور حقيقي أصيل، وإن كان ليس سوى وهم جميل نحاول فيه تثبيت الألم في مكان آخر ونبتعد معه عن الموت الذي يطال الجميع بنفس الطريقة محاولين خلق طريقتنا الشخصية بالموت. ثم نسعد حين نكتشف أن ألمه عابر وسريع وأنه ليس قاتلا، إذ لم يمت أحد يوما من الحب، وهكذا نعيد الكرة مرة وراء مرة كي نبقى أسرى لطافة الوهم الجميل في مواجهة هذا الواقع الممعن في بشاعته. وهكذا نكتشف كم أن هذا العالم يبدو كحالة مذهلة من البؤس والحزن والألم والفوضى، وكم نحن مذهلون لتعلقنا بأجزاء منه، ومع بداية كل عام جديد نأمل بعالم بأقل قدر من الحزن والألم والبؤس والفوضى.

مشاركة :