بعيدا عن قصص الحرب والحب فيلم «غدي» لأمين درة يخرج عن المألوف

  • 11/21/2013
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت: فيفيان حداد استطاع الفيلم السينمائي «غدي» لكاتبه وبطله جورج خباز، أن ينافس بنسبة مشاهدته الفيلمين العالميين «ذا غرافيتي» لجورج كلوني وساندرا بولوك، و«ثور» لناتالي بورتمان وكريس هيمسوورث. فوفقا لإحصاءات أجرتها صالات السينما المستضيفة للفيلم (غراند سينما) تبين أن 55 ألف شخص شاهدوا الفيلم الأول في مدة عرضه التي بلغت خمسة أسابيع، في حين نال الفيلم الثاني الذي لم تتجاوز مدة عرضه الأسبوعين 3100 مشاهد. أما فيلم «غدي» فحقق في مدة ثلاثة أسابيع إقبالا على شباك التذاكر 50 ألف مشاهد. واللافت في الموضوع أن الفيلم اللبناني المذكور الذي أخرجه أمين درة، استطاع أن يستقطب شريحة لا يستهان بها من الشباب وطلاب الجامعات لم يسبق أن حققها سوى فيلم «هلأ لوين» لنادين لبكي منذ نحو العامين. وحسب كاتب الفيلم الممثل جورج خباز، فإن نجاح الفيلم يكمن في تناوله لقصة بعيدة كل البعد عن قصص سبق وعالجتها أفلام سينمائية لبنانية، والتي تدور بغالبيتها حول الحرب اللبنانية أو قصص الحب المستحيلة أو العادية. وحسب ما يصفه فهو يوصل رسالة اجتماعية ذات عمق إنساني تلامسنا عن قرب. يحكي الفيلم قصة «لابا» (جورج خباز) والذي يعيش في حي «المشكل» (نسبة إلى تنوع أهله وأهوائهم). عانى «لابا» في صغره من التأتأة (تكرار الأصوات والمقاطع اللفظية)، فكان في فترة من حياته مختلفا هو أيضا. إلا أن الموسيقى كانت الدواء الشافي له. وبعدما كبر وصار شابا تحول إلى مدرس فيها، بعدها تزوج من حبيبة الطفولة «لارا» (الممثلة لارا مطر). وخاب ظن أهالي بلدته وأصدقائه في الحي عندما رزق بطفلتين، فالصبي هو الأهم بالنسبة لهم لاستمرارية العائلة.. هكذا تقول التقاليد، لكن سرعان ما حملت زوجته بطفلهما الثالث والذي حسب ما أظهرت الفحوصات الطبية المتقدمة أنه صبي ولكنه سيعاني من احتياجات خاصة. قبل الزوجان بقسمتهما إلا أن المولود الجديد «غدي» الذي جسد دوره إيمانويل خير الله، شكل عبئا على أهالي الحي وسكانه الذين انزعجوا من الأصوات الغريبة التي يصدرها بدل الكلام العادي. وهنا يبدأ مشوار «لابا» (جورج خباز) مع مسؤوليته كأب وإنسان. فهو من ناحية لا يستطيع التخلي عن ابنه ليضعه في مؤسسة خاصة بسبب حالته المرضية، ومن ناحية ثانية لم يعد يجد ذرائع مناسبة لإسكات أهالي الحي عن التمسك بمطلبهم هذا. يقرر «لابا» أن يدعي أن ابنه مجرد ملاك أرسلته السماء إلى الحي لمساعدة أهله، ولمنعهم عن اقتراف الخطأ، فتنتشر في الحي ظواهر غريبة تثير حيرة الأهالي وتؤثر على سلوكهم وتصرفاتهم التي تدفعهم للقبول بـ«غدي». هذا الحب الكبير الذي يكنه كل أب لابنه لخصه جورج خباز بشخصية «لابا» تجاه ابنه، فعلى الرغم من كل الضغوطات التي مورست عليه رفض التخلي عنه وناضل من أجل أن يتقبله الآخرون. ويتلمس المشاهد حب الأب لابنه في عدة مواقف، إلا أن أغنية «هيدا ابني حبيبي بحبو ما بعرف قدي» المرهفة، والتي عزفها جورج خباز على البيانو وأداها بنفسه، تبقى عالقة في ذهنك فتدندنها وأنت تخرج من صالة العرض. يخيم على الفيلم إيقاع هادئ وبطيء بنفس الوقت، يشبه كثيرا الأفلام الإيطالية. أما التفاصيل الصغيرة التي يتضمنها النص، فترجمها المخرج في مشاهد ولقطات مصورة باحتراف، ضمن كادرات ملونة وجميلة، فقدم طبقا سينمائيا غنيا بالعادات والتقاليد اللبنانية البحتة (مثل تدخل الناس بالحياة الشخصية للآخرين ومراقبتهم لبعضهم البعض وانسياقهم لا شعوريا وراء الظواهر الخارقة)، لم يغب عنها أيضا استخدام أدوات معينة (كشريط الكاسيت وفنجان القهوة العربية والمربى والكبيس والزيتون وصور الأسود والأبيض) التي يصح فيها القول إنها تراثية وعتيقة تشدنا إلى حقبة الزمن الجميل الذي كانت تسوده حياة البركة والبساطة في القرى اللبنانية. أما اختيار الممثلين (الكاستينغ) فكان موفقا بحيث بدا الانسجام التام بينهم، لا سيما أن غالبيتهم يتمتعون بموهبة التمثيل الحقيقي رغم أن بعضهم نشاهده لأول مرة على الشاشة. حتى والد (لابا) الذي بالكاد نشاهده في مشهدين قصيرين، ترك أثره لدى المشاهد الذي تفاجأ في حين بعد بهويته الحقيقية كونه والد الممثل جورج خباز في الواقع. ولعل القفشات الفكاهية التي يمررها الكاتب المعروف بكلمته الظريفة، أسهمت في إيصال الرسالة التي يهدف إليها الفيلم بطريقة سلسة، مما سمح للمشاهد أن يمضي وقت العرض دون ملل. فهذه الابتسامات المتتالية والتي وصلت أحيانا إلى حد القهقهة، رغب جورج خباز (مؤلف قصة الفيلم) من خلالها، أن يحولها إلى نزعة نتسلح بها في المواقف الحرجة والمعقدة التي قد نواجهها في حياتنا اليومية. شكلت الابتسامة عنوانا رئيسا للفيلم التي جعلها الكاتب مرادفا للإنسانية. أما طريقة معالجة الفكرة بتلقائية الأب وبساطة أهل الحي، دفعت بالاختلاف إلى الانسحاب بخجل من أذهاننا أثناء مشاهدتنا الفيلم. فعقدة قبول الآخر تتحول تلقائيا إلى تخلف تتمنى أن لا تكون مصابا بها. هذه المشكلة التي قد نصادفها بحياتنا اليومية وليس في وطننا العربي وحده فحسب، سلط الكاتب الضوء عليها منذ بداية الفيلم حتى نهايته. اختار الكاتب شخصيات «مختلفة» أرادها نموذجا عن تلك التي نصادفها في حياتنا اليومية ونرفضها. فكان هناك (عبد الله) من التابعية الهندية و(كركر) أهبل الحي، و(إيليا) الشاب الشاذ، شكلوا مجتمعين نواة الخلاص لـ(لابا)، فكانوا بمثابة الحكماء في القصة تماما كما في قصص (لافونتان) الأدبية التي نستخلص من شخصياتها الخيالية العبر. فتصرفاتهم التي يتحكم فيها الحب، وكيفية تعاطيهم مع مشكلة (لابا) كرستهم رسلا للإنسانية أو إذا أمكن القول سفراء فوق العادة لسعادة الحب. رسالة إنسانية بامتياز تتناولها على جرعات مرفقة بحفنة من الابتسامات المعبرة ومخزون من الحنان، هي ما تتزود به أثناء مشاهدتك الفيلم السينمائي «غدي». هكذا يمكنك أن تلخص هذا العمل الفني، الذي كتبه جورج خباز وأخرجه أمين درة وشارك فيه عمالقة في التمثيل أمثال أنطوان ملتقى وكميل سلامة، إضافة إلى عدد آخر من الممثلين المحترفين ككريستين شويري ومنى طايع.

مشاركة :