منحت السلطات السعودية فرصة ذهبية للذين تورطوا في مخالفة التستر التجاري لتصحيح أوضاعهم، والتخلص من تلك المخالفة الجسيمة بدون تحمُّل العقوبات المنصوص عليها قانونًا، وبدء صفحة جديدة في مسيرتهم العملية، وذلك عبر التقدم بطلب رسمي عبر المنصة الإلكترونية التي خصصتها وزارة التجارة، وسيتولى فريق العمل المشترك الذي يضم ممثلين لوزارات التجارة والاستثمار والموارد البشرية ومركز الإقامة المميزة النظر في الطلبات ومباشرتها؛ لتصحيح أوضاع المؤسسات المخالفة، ومساعدتها للاستفادة من المزايا التي أقرتها السلطات لتمكينها من مزاولة أنشطتها التجارية بشكل نظامي. وأعلن برنامج مكافحة التستر أنه سيتم استكمال الإجراءات النظامية كافة لتصحيح أوضاع المنشأة المخالفة خلال ثلاثة أشهر على الأكثر، على أن يقوم صاحب الطلب بالاطلاع على لائحة تصحيح الأوضاع، وإضافة بيانات المنشأة، وتحديد خيار التصحيح المطلوب، وإرسال الطلب. هذا التوجُّه الحميد من الدولة يؤكد أنها لا تهتم فقط بمحاسبة المخالفين وإيقاع العقاب القانوني بحقهم، بل تركز أساسًا على مساعدتهم للتخلص من وزر المخالفة، وإرشادهم إلى الطريق الصحيح، والأخذ بأيديهم لتصحيح أوضاعهم، والانخراط في العمل والإنتاج بصورة نظامية. ولا يخفى على الجميع أن مشكلة التستر ظلت كابوسًا يؤرق جميع الأطراف، وسرطانًا ينهش جسد الاقتصاد الوطني؛ لأنها تسهم في تمكين الطفيليين من التغول على المنظومة الاقتصادية، والاستفادة من مميزات لا يملكونها، ومصادرة حقوق المواطن السعودي، وتضييق فرص العمل أمام الشباب عبر ممارسات غير قانونية؛ فالعمال المخالفون الذين يعملون في مؤسسات تجارية بأسماء سعودية لحسابهم الخاص لا يستعينون سوى بأبناء جلدتهم خشية افتضاح أمرهم، كما يعمدون في كثير من الأحيان إلى شن حرب أسعار غير متكافئة لمحاربة الشباب الوطني الذي يحاول تلمُّس مواطئ أقدامه في سوق العمل. ولا تقتصر السلبيات الناجمة عن التستر على ذلك فقط، بل تشمل الغش التجاري، والتزوير، وغسل الأموال؛ لأن المتسترين يبحثون عن إضفاء الشرعية على الأموال التي اكتسبوها بغير حق، واستنزاف رؤوس الأموال الوطنية عبر تحويلها إلى خارج البلاد. وكل ذلك يتسبب بدرجة كبيرة في إفشال سياسات الاستقرار الاقتصادي. ويكفي أن الخبراء يقدرون الخسارة التي يتكبدها الاقتصاد السعودي من جراء انتشار تلك المخالفة بما يتجاوز 100 مليار ريال سنويًّا. ولتحقيق مبادئ وأهداف رؤية السعودية 2030 على أرض الواقع شنَّت السلطات المختصة خلال الفترة الماضية حربًا شعواء على المتسترين، وفككت كثيرًا من المؤسسات المخالفة، ولكن نسبة لانتشار تلك الممارسة الهدامة كان لا بد من خطوات تصحيحية ترافق تلك الحملة؛ حتى لا يبقى هناك عذر لأي مخالف. وقناعة بدورها في تنمية الاقتصادات الوطنية، تولي الدولة اهتمامًا متعاظمًا لتشجيع مؤسسات ريادة الأعمال، وتقدم لها التسهيلات كافة التي تحتاج إليها؛ لأنها الأقدر على حل مشكلة البطالة وسط الشباب، لكن كل تلك الجهود لم تؤتِ أُكلها بسبب اصطدامها بصخرة التستر التي ترغم الشباب السعودي على التنازل عن أحلامهم، والعودة من جديد إلى مربع البطالة، وانتظار الحصول على وظيفة. وحتى تحقق هذه الجهود النجاح المرجو أرى أن تضطلع المؤسسات الإعلامية بحملة توعوية واسعة، تركز على توعية أفراد المجتمع بالمخاطر العديدة التي تترتب على تلك المخالفة، ومطالبتهم بعدم التردد في الإبلاغ عن أي مؤسسة مخالفة تمارس هذا النوع من التجاوزات، وتنوير الشباب بحقوقهم، وأهمية انخراطهم في مشاريع ريادة الأعمال، وقبل كل ذلك تبصير المشاركين في التستر بعواقب أفعالهم، وتأثيراتها السالبة على مسيرة الاقتصاد الوطني. ولأن هناك مَن لا ينفع معهم النصح والإرشاد، واعتادوا فقط مخالفة الأنظمة وتجاوز القوانين، فالواجب يستلزم تشديد العقوبات وتغليظها على أولئك الذين لا يرون سوى ذواتهم، ولم يمنحهم الله نعمة النظر إلى الأمور من منظور المصلحة العامة؛ فارتضوا الحصول على دراهم معدودة نظير مبالغ طائلة، يحوّلها غيرهم إلى خارج السعودية بدون وجه حق؛ فحرموا بذلك غيرهم من بناء مستقبلهم، والاستفادة من خيرات بلادهم، والمزايا التي وفّرتها لهم قيادتهم.
مشاركة :