اختار البابا فرنسيس زيارة مدينة أور، مسقط رأس النبي ابراهيم وفق التقليد، ليحج إليها ضمن محطات زيارته الى العراق، لكنه لن يجد في محافظة ذي قار في جنوب العراق، إلا عائلة مسيحية واحدة. وخلال صلاة في موقع أور الأثري ندد الحبر الأعظم بـ”الإرهاب الذي يسيء إلى الدين”، وذلك بعد نحو أربع سنوات من دحر تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر بين 2014 و2017 على أجزاء واسعة من العراق وزرع الرعب والدمار. وقال البابا في اليوم الثاني من زيارته التاريخية الى العراق أمام مسؤولين دينيين مسلمين وأيزيديين وصابئة في الموقع الذي يعتقد أنه مسقط رأس النبي ابراهيم، “لا يصدر العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلها خيانة للدين”، مضيفاً “نحن المؤمنين، لا يمكن أن نصمت عندما يسيء الإرهاب للدين. بل واجب علينا إزالة سوء الفهم”. ويؤكد ماهر طوبيا (53 عاما) لوكالة فرانس برس أن عائلته هي آخر العائلات المسيحية في المحافظة حيث موقع أور الأثري، ويحقق حضور البابا بالنسبة اليه حلماً كبيراً. ذلك أن زيارته هي “اساسا رسالة محبة وسلام”، كما يقول من غرفة الجلوس في منزله في الناصرية. قبل الحصار الاقتصادي على العراق في التسعينات، كانت الناصرية تضمّ ما بين “عشرين إلى ثلاثين عائلةً مسيحية”، وفق طوبيا. لكن اليوم لم تبق إلا عائلته وعائلة شقيقه. وقد تراجع عدد المسيحيين على مراحل لا سيما بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. وقتل قبل أسبوع في المنطقة ستة متظاهرين خلال احتجاج على أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية. وكان البابا تضامن مع الانتفاضة الشعبية التي قادها شباب في العراق اعتبارا من نهاية 2019 ضد الطبقة السياسية والفساد. ودعا الى عدم قمعها. وقتل خلال تلك التحركات 600 شخص وأصيب ثلاثون ألفا بجروح. ومع البابا فرنسيس الأرجنتيني الأصل الذي يأتي الى العراق حاملاً “رسالة صداقة وسلام”، كما قال، يثق طوبيا ب”تحسن الأوضاع” في الناصرية. وخلال العامين الماضيين، شهدت هذه المدينة تظاهرات احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية في العراق والفساد، تخللها عنف مع قوات الأمن راح ضحيته العشرات. ويتابع بأمل “إذا نظمت الزيارة بشكل جيد، يمكن أن تكون لها انعكاسات كبير”. وبدأ البابا الجمعة زيارة إلى العراق تنتهي الاثنين، وهي أول زيارة بابوية على الإطلاق لهذا البلد، ومن شأنها تقديم دعم معنوي مهم للمسيحيين الذين تعود جذورهم في بلاد الرافدين إلى تاريخ طويل، ولكنهم عانوا في التاريخ الحديث من استهداف وصعوبات دفعت العديد منهم الى الرحيل. وتراجع عدد المسيحيين تدريجيا في العراق لا سيما بعد الاجتياح الأميركي في عام 2003 الذي تلته حروب طائفية. ويروي طوبيا أن أباه كان رجل أعمال استقر في المدينة حينما كانت تحت ظلّ الحكم العثماني. وعلى مر العقود التي تخللتها حرب عالمية ثانية وسقوط الملكية في العراق وصعود نظام حزب البعث، لم تبارح عائلة طوبيا المدينة. لكن غياب فرص العمل و”إهمال الدولة” بالدرجة الأولى، وفق طوبيا، دفع آخرين الى المغادرة. ويضيف “من كان لديه مشروع كمطعم مثلاً، غادر بسبب الضيق المادي”. وغادر المسيحيون الى بغداد أو شمال العراق، وفق طوبيا، أو إلى الخارج مع مرور الأيام. وبات عدد المسيحيين العراقيين ما بين 300 إلى 400 ألف، بعدما كان مليون ونصف المليون قبل عام 2003. ويحلم كثيرون ممن لا يزالون في العراق بالرحيل بدورهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي يغرق فيها العراق وعدم الاستقرار السياسي والأمني. إلا أن ماهر طوبيا متعلق بجذور عائلته في المدينة التي تعود إلى أكثر من مئة عام، ويقول “نحن في ذي قار منذ عام 1900 تقريباً”. وتخلو مدينة الناصرية من الكنائس، لذلك يتوجه طوبيا إلى بغداد أو البصرة في الجنوب، للأعراس والجنازات. مع ذلك، فهو يؤكد أن لديه “انتماء” إلى مدينته يدفعه إلى البقاء فيها، رغم كل شيء. ويتمنى أن تفتح الزيارة البابوية الباب أمام قدوم مزيد من الحجاج إلى هذه المنطقة المقدسة. ويقول “هذا حدث كبير، قد يرفع المستوى المعيشي في المنطقة… قد يفتح الباب أمام مزيد من الحجاج… شرط تأهيل المناطق السياحية”. كما يأمل أن تدفع الزيارة إلى “بناء كنيسة في ذي قار” أيضاً.
مشاركة :