المسعودي يرى أن النثر ديوان العرب

  • 3/7/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

صدر حديثًا كتاب "ديوان العرب الشعر ديوان العرب أبدًا وديوان العرب" للكاتب علي المسعودي عن دار روزا للنشر بالدوحة في عدد صفحاته 192 صفحة من القطع المتوسط. يؤكد المؤلف أنه قدم بحثًا يتتبع ما هيَّأ للشعر أن يكون ديوان العرب ويقول: "أبدأ به من حيث يجب أن يبتدئ الكلام، وقد اصطفيت كتبًا محددة من بين الكتب الكثيرة حتى لا أتشعب في الأودية وأتيه في المجاهيل وأسقط في حفرة الجهل، لأركز في الفكرة الرئيسة لعل هناك من يبني على هذا الجهد فيجعله أكثر ثراءً، ويغطي الجوانب التي لم تمتد إليها اليد". ويشير الكاتب علي المسعودي إلى خطة تفاصيل دراسته فيقول "خصصت مفتتح البحث وفصله الأول عما ورد في القول الكريم عن الشعر وما وافق التنزيل أو رافقه، معتمدًا على ما ورد في مختصر تفسير ابن كثير، ثم أردفت ذلك بما جاء مرافقًا للتفسير أو شاهدًا عليه أو حاضرًا في الحديث عنه لدى كبار مفسريه، وأتممته بما جاءت به الأحاديث الشريفة من مدح الشعر أو قدحه وما أورده الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان، ثم أقوال منثورة في بعض أمهات الكتب وما اشتهر من جيدها؛ مثل كتاب العمدة لابن رشيق والشعر والشعراء لابن قتيبة والبيان والتبيين للجاحظ وما تناثر في الكتب والمواقع الإلكترونية الموثقة". ويوضح الباحث بقوله "اتبعت ذلك بأقوال الأدباء عن الشعراء نثرًا مع بعض اللطائف والفرائد والنكت، وأقوال الشعراء شعرًا، وما تلك إلا مختارات من بحر متلاطم لا يمكن حصره". ما ينبغي للشاعر من كريم خلق وعلو نفس ليكون ذا تأثير إيجابي في مجتمعه، فالإبداع المقرون بالإسفاف أو الناتج عن شخصية وضيعة لا يمكن له أن يقبل أو يحقق أثره المرجو.  وجاء في مقدمة الكتاب  ما الشِّعر؟ كيف الشّعر؟ من أين يأتي الشعر.. وإلى أين يذهب؟ الشِّعر.. الشِّعر.. الشِّعر.. السِّحْر الذي نبحثُ عنه ونتمناه.. الطيرانُ الخفيف للجسد والروح.. الحزنُ الشفيف الذي تصبح به الوجوه أجمل.. الجرح الطفيف.. الذي تبرأ به الأوجاع.. أغنيةُ أمٍّ غاب وليدها.. هجينية أبٍ أخذته الغربة.. أحدية فارس يبحث عن بطولة.. تنهيدة عاشقة دسّتها وراء ستارة الزمن لئلا يراها حراس المشاعر؟ لقد عظم قدر الشعر، وتهيَّب الناسُ أهلَه، خوفاً من بيتٍ سائر تُحدى به الإبل، أو لفظة شاردة يُضرَب بها المثل. رفع كثيراً من الناس ما قيل فيهم من الشعر بعد الخمول والاطّراح، حتى افتخروا بما كانوا يعيَّرون به، ووضع جماعةً من أهل السوابق والأقدار الشريفة حتى عُيِّروا بما كانوا يفتخرون به. هذا يعني أن الشعر الجاهلي ـ على الرغم من كونه شعراً شفاهياً ـ كان هو المصدر المعرفي الوحيد لأخبار العرب, وتاريخهم, وعاداتهم وتقاليدهم, وعلومهم ومعارفهم, وحروبهم وأيامهم, ومآثرهم ومفاخرهم, وقيمهم ومثلهم العليا. وهو ما أكده ابن خلدون (808 هـ) أيضاً في مقدمته حين تحدث عن الشعر البدوي الشفاهي (الشعبي) الذائع في البوادي العربية حتى عصره, بل كان ذلك أيضاً مبرره الأول ـ في تاريخه ـ للعناية بمثل هذا الشعر البدوي الشفاهي وسرد كثير من نصوصه, ومن ثم كانت دعوته إلى الاعتراف به وتدوينه برغم مجافاته للنحو, نظراً لقيمته المعرفية: التاريخية والحربية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية, فضلاً عن كونه المصدر المعرفي الوحيد للمجتمعات القبلية ذات الثقافة الشفاهية, مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه "ديوان البادية". ذلك أن ضياع مثل هذا الشعر البدوي ـ بما هو شعر شفاهي ـ يشكل في النهاية خسارة معرفية وأدبية لا تعوّض, إما لموت الرواة وإما لضعف الذاكرة البشرية, على نحو ما حدث أيضاً مع الشعر الجاهلي نفسه ـ بما أنه هو شعر شفاهي أيضاً ـ من ضياع معظمه كما يقول أبو عمرو بن العلاء: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله, ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير", وهذا يعني أنه ديوان قد وصلنا ناقصاً! مجمل القول: إن مقولة الشعر ديوان العرب لا تعني ـ في سياقها السوسيوثقافي والتاريخي ـ إلاّ شعر المجتمعات والبوادي ذات الثقافة الشفاهية. وإن هذا الضرب من الشعر (الشفاهي) الذي تختزنه الذاكرة الجمعية لأصحابه ومبدعيه ومردديه هو المصدر المعرفي الأساسي والوحيد الذي يشكل ثقافتهم ويتشكل بها في آن. وهذا هو المعنى المراد من هذه المقولة التي عمّم كثير من النقاد والباحثين معناها إلى أن أصبحت تطلق أيضاً على الشعر العربي كله قديمه وحديثه, حتى في عصور الثقافة الكتابية المعاصرة وزمن الرواية.  ولهذا, لا غرو أن نجد كثيراً من المجلات المعنية بالشعر ـ في العصر الحديث ـ تتخذ من هذه المقولة و(غوايتها) شعاراً لها, كما أننا ما زلنا نتشدق في محافلنا العلمية والأكاديمية بهذه المقولة, على إطلاقها زمانا ومكانا وإبداعاً. وفي هذا إجحاف ما بعده إجحاف بفنون القول الأخرى التي ذاعت منذ عصر التدوين الذي صاحب ازدهار الحضارة العربية في عصرها الذهبي... وحتى اليوم. الإسلام والطفرة الروحية ذلك أننا نعرف أن الإسلام هو الذي حقق الطفرة الروحية التي حققت بدورها الطفرة السياسية والثقافية والعلمية للعرب, ومنذ أن قام العرب بتأسيس دولتهم الكبرى, وانفتاح ثقافتهم على الآخر الحضاري حتى شرعت ثقافتهم تعرف طريقها إلى التدوين الكتابي الذي ازدهر بعد الإسلام, وبلغ أوجه في عصور العافية السياسية والعلمية والثقافية, فكان "النثر الكتابي" بنوعيه التأليفي والإبداعي, وذلك منذ ظهور دواوين الإنشاء ودور الحكمة التي زخرت بمئات الألوف من الكتب والمصادر التراثية (النثرية) في كل ضروب المعرفة, ابتداءً من المؤلفات الدينية والتاريخية, مروراً بالمؤلفات اللغوية والأدبية والفلسفية, وانتهاء بكتب الفلك والعلوم والكيمياء والفيزياء والجبر والرياضيات وكتب الجغرافيا والرحلات وكتب التراجم والطبقات. وهذا يعني ـ ببساطة ـ أن ثمة مصادر أخرى للمعرفة, ليس من بينها الشعر الذي انتهت وظيفته المعرفية التأسيسية مع ظهور عصر الثقافة الكتابية, كما كان الحال من قبل إبان الثقافة الشفاهية في العصر الجاهلي. بعبارة أخرى لم يعد الشعر ديوان العرب, وإنما أصبح (النثر ديوان العرب) في عصر الثقافة الكتابية.

مشاركة :