دأب إعلام قناة «الجزيرة» القطرية كعادته بين الحين والآخر على التدخل في الشأن الداخلي البحريني وشن حملات إعلامية عدائية ضد وحدتها ونسيجها الاجتماعي تارة بعرض تقارير كاذبة وتارة أخرى بروايات مضللة ومغلوطة تجافي المنطق والعقل وخلافاً لحقيقة الواقع الذي تشهده مملكة البحرين وما يشعر به المواطن والمقيم من تعزيز وحماية للحقوق والحريات العامة، وذلك عبر إعلامها المرئي وغير المرئي لغرض إشاعة الفتن والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد وتعكير صفو السلم الأهلي فيه عن طريق تشويه الأحداث الداخلية وتصويرها على خلاف حقيقتها ونشر الأخبار غير الصحيحة من دون تحري الدقة والشفافية ومصداقية المصادر القائمة على الحقائق لا عبر الفبركات والادعاءات المحرضة، ومن دون أدنى مسؤولية تجاه المشاهد المحلي، وهو أمر أضحى لا يخفى على القاصي والداني. وها هي اليوم تطل عبر إعلامها المفبرك لتعرض لنا فيلماً وتسرد لنا حكايات عن قصص لم نرها إلا في أفلام هوليوود عن سوء معاملة وقعت في أعمال شغب وتمرد حدثت في مارس سنة 2015 لبعض سجناء في مركز الإصلاح والتأهيل، وذلك من واقع كتاب صدر سنة 2017، أقر واعترف فيه كل من كاتب الكتاب ومن قاموا بأعمال الشغب والتمرد داخل مركز الإصلاح والتأهيل في متن صفحات الكتاب بأنهم وضعوا خطة هروب جماعي للسجناء من السجن عن طريق افتعال أعمال شغب وتمرد وسيطرتهم على بعض مبان وتكسير مقتنيات ومرافق السجن بغرض الهروب منه، فضلاً عن وضع خطة للتنقل داخل مناطق البحرين بعد الهروب. والسؤال المطروح في هذا المقال: هل أحداث كأعمال شغب وتمرد لبعض السجناء بالمخالفة للقوانين الوطنية والصكوك والمواثيق الدولية وقيام الدولة المنوط بها حفظ النظام والأمن العام بالتصدي لهم بموجب القانون يستدعي أن يستغل بهذا الشكل المبتذل من إعلام يتشدق بالمهنية والحقائق؟ أم إن الهدف من ذلك هو المساس بالسجل الحقوقي لمملكة البحرين وتهديد السلم الأهلي للمجتمع البحريني عبر تحريض الشعوب على قياداتها؟ إنه من الواضح أن صناعة الرأي العام الساخط على مجتمعاته هي الرسالة التي تقدمها الجزيرة عبر قنواتها، وهي لم ولن تأتي بأي ثمار مهما استمرت في هذا النهج العدائي تجاه الدول لإيصال رسالتها المسمومة. فالحقيقة أن الشمس لا تغطى بغربال، فحكومة مملكة البحرين تعاملت مع أحداث الشغب والتمرد من منطلق مسؤوليتها الوطنية في المحافظة على النظام العام داخل السجون وخارجها وتجاه كل ما يهدد حياة النزلاء الآخرين، وهو أمر متعارف عليه في كل دولة قانون ومؤسسات بصدد هذا النوع من الأعمال المخالفة للقانون. فلا يعقل ولا يقبل شرع أو منطق أن تقف الدولة مكتوفة الأيدي تجاه من يعرض السلامة العامة للخطر، ولا ينال من ذلك ما يروج له إعلام الجزيرة من ادعاء تعرض بعض السجناء لسوء معاملة أو ما يرويه منظمو أعمال الشغب والتمرد، فمن المعلوم أن محاولة هروب وفرار مجموعة من السجناء عليهم أحكام قضائية واعتداءهم على حراس مراكز الإصلاح والتأهيل كلها أفعال وحالات يسمح القانون لرجال إنفاذ القانون بمقاومتها واستخدام القوة المادية سواء لمنعهم من الفرار أو للدفاع الشرعي عن النفس أو نفس الغير، وهذا أمر ليس في مملكة البحرين بل في كل دولة تقول إنها دولة قانون ومؤسسات، وإلا لأضحى رجال إنفاذ القانون قربانا وضحايا للخارجين عن القانون. فالدولة بالرغم مما تعرض له حراس مركز الإصلاح والتأهيل من اعتداءات على النحو الذي كشفه إعلام الجزيرة ذاته في فيلمه المسموم، فتحت أبوابها لآلياتها الوطنية من أمانة عامة للتظلمات بوزارة الداخلية ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ووحدة التحقيق الخاصة، فضلاً عن القضاء والنيابة العامة أثناء وقوع أعمال الشغب والتمرد للتحقيق والوقوف على ما حدث بالضبط، إذ إن الدولة ليس لديها ما تخفيه أو تخشى شيئا، فالنزلاء في مؤسسات الإصلاح والتأهيل هم أبناؤها ويتمتعون بكامل حقوقهم المنصوص عليها في قانون الإصلاح والتأهيل والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والقائمون على إنفاذ القانون داخل مؤسسات الإصلاح والتأهيل في مملكة البحرين مدربون وفقاً لقواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء. وبالتالي فإن عرض مثل هذه الروايات المضللة والمغلوطة في محاولة للمس بالسجل الحقوقي لمملكة البحرين وتهديد السلم الأهلي هو أمر مرفوض، وهذا ما أكدته صفحات الكتاب الذي استقى منه إعلام الجزيرة روايته المسمومة، إذ أكد الكتاب أن هناك تخطيطا وتدبيرا منظما من القائمين على أعمال الشغب والتمرد وأن الأخبار الصادرة من الحسابات الإلكترونية التي كانت تدار من السجناء منظمي أعمال الشغب والتمرد كانت مبالغا فيها وغير حقيقية، إلا أن إعلام الجزيرة كعادته حاول أن يفبرك الاعترافات الموجودة في الكتاب ليستقي منها فيلماً هوليووديا يساند رؤى الجزيرة المضللة بهدف الإساءة إلى سمعة مملكة البحرين وتقويض النظام العام فيها. نأمل من إعلام الجزيرة في العرض القادم أن يطلعونا على حقوق العمال عندهم في قطر من واقع تقارير المنظمات الحقوقية وعلى الأخص منظمة العفو الدولية التي أوضحت ما يتعرض العمال من استغلال وانتهاكات في قطر ولكن من دون فبركات لنتعرف على واقع حقوق العمال هناك. أستاذ القانون المشارك - جامعة البحرين
مشاركة :