لستُ أدري، هل كان حلمًا أم خيالاً، أخذت بيدها إلى قاعةٍ بها لوحات مختلفة، ربما أحببتُ أن أُريها العالم بعينيّ. كانت اللوحة الأولى لفتاةٍ تنتظر في محطة القطار تحت زخّات المطر، في طقسٍ يبدو باردًا من المعطف الذي ترتديه، كانت القطارات تتوالى الواحد تلو الآخر.. ظلّت في حيرةٍ من أمرها، أتراها تأخذ القطار القادم لعلّه يكون الأخير؟ أم تنتظر الغائب؟ في اللوحة الأُخرى المكملة، كان قطاره ينهب الأرض نهبًا ليكون على الموعد، فيأخذها معه إلى الأبد.. لكن شيئًا من الخوف في أعماقه يقول له: ماذا لو لم تكن على السكة الصحيحة، ماذا لو كان خطًا موازيًا؟، ما أصعبه من موقف لكليهما. في اللوحة التالية كانت هناك سيارةٌ أمريكية عتيقة، ذات عجلات بأطرافٍ بيضاء، يبدو الزجاج مفتوحًا ويد السائق تمسك بإطار الباب، سألتني: ما هذه؟ قلت هذه السيارة التي اصطحبت والدي من مكة إلى جدة أواخر الخمسينيات، كحال كثير من أسر مكة التي انتقلت، ليبدأ عمله الجديد في مدينةٍ صغيرةٍ تلك الأيام مقارنة باليوم، لكنها كانت بنظره كشاب خرج من جبال مكة كمحيط بلا نهاية. اللوحة الثالثة لمفاتيح بيانو، عددها 88، 52 بيضاء.. 36 سوداء، لكنها تُخرج قطعًا موسيقية لا حصر لها لعقودٍ من الزمن، كذلك الكلمات التي لا تنفد، كلما قرأت، فاجأني كاتبٌ آخر بشيء لا أعلمه، فسبحان من علم. اللوحة الأخيرة لأربعة أشخاص يجلسون على كراسٍ وطاولة متواضعة، كانوا يتحدّثون دومًا، وينظرون في أعين بعضهم، ويضحكون بين الوقت والآخر. تطوّر العالم من حولهم، فانتقلوا إلى أربع أرائك وثيرة مُجهّزة بأحدث وسائل الترفيه الخاصة بكل كرسي، هم سويًا في الحجرة نفسها.. إلا أن أرواحهم شتى. لم يكن إلا حلمًا.
مشاركة :