عن (دار فراديس) للنشر والتوزيع بمملكة البحرين صدر ديوان شعر بعنوان (سراديب) للشاعر البحريني حسن العلوي بطبعته الأولى عام 2013م. وعلى الرغم من كون هذا العمل الأدبي عبارة عن (ديوان شعر) كما جاء على الغلاف الخارجي له، وكما صنفه (الناشر) إلا أن القارئ يتفاجأ في الجزء الأخير منه بتغير جنسه الأدبي، بحيث يتحول شاعره إلى ناثر، أو سارد لمجموعة من القصص القصيرة جدا، والتي أفرد لها المؤلف عنوانا أو مسمى ثانويا، أو فرعيا، واقعا تحت العنوان الرئيسي للديوان نفسه. ولا أدري – حقيقة – لماذا انتهج المؤلف هذه الطريقة القائمة على دمج جنسين أدبيين مختلفين عن بعضهما – قالبا ومضمونا – وفي كتاب واحد، وتحت مسمى واحد (شعر)؟. فهذه الطريقة التي قدم بها المؤلف كتابه هذا للقراء يندر أن توجد في أعمال المتقدمين والمتأخرين من الكتاب والأدباء والمبدعين عموما، خاصة أن هذا الكتاب تم تصنيفه على أنه شعر، وعلى غلافه الخارجي، وهو أول ما تقع عليه عينا القارئ، وللوهلة الأولى لدى تصفحه له. عموما... لجوء المؤلف إلى هذه الطريقة في التأليف ليس فيها ما يعيبها أدبيا، أو ما ينقص من قيمتها الفنية، كعمل إبداعي يستحق أن نقرأه، وأن يحظى بإعجابنا به، بقدر ما يمكننا اعتبارها تجاوزا أو خطأ (تأليفيا) ناتجا عن مزج أجناس أدبية مختلفة، وتصنيفها على أنها ذات جنس واحد، على الرغم من أنها ليست كذلك، مما جعل القارئ يقع في دائرة اللبس بين مضمون الكتاب، واختلافه عن عنوانه أو مسماه. ففي الشق الشعري من هذا الكتاب، تتشكل لغة شاعره وتتمحور حول ذاته، وما يعتمل في ذهنه وقلبه ومخيلته من مشاعر وأحاسيس اتسمت بنزعة تأملية وتفكرية في الكون والحياة، تمثل رحلة الشاعر مع ذاته، وخلوته لنفسه ومناجاته ومخاطبته لها، أكثر من كونها لغة يخاطب بها غيره، في كثير من الأحيان. أي أنها لغة اعتمدت – في مجملها – على الحوار الفردي أو (المونولوج) الداخلي، وغابت من خلالها الأصوات الأخرى، باستثناء ما كان منها ذا حضور باهت، سببه والعامل الرئيسي فيه طغيان الصوت الداخلي لذات الشاعر على جميع الأصوات الأخرى، المحيطة به من الخارج. ولذلك لن نجد الشاعر من خلال أغلب نصوصه هنا إلا متأملا أو متفكرا أو متذكرا أو منهمكا ومستغرقا مع نفسه في دوامة من المشاعر والتخيلات التي تجرفه بتيارها – وحده – وبعيدا عن الآخرين، ودون أن يشعر بهذا الانجراف على أرض الواقع الفعلي. ومثل هذا نجده في كثير من النصوص التي ضمها الديوان كنص جاء بعنوان (نهر لا يثمر ماء) إذ يقول: (إذا لم يخني التذكر كنت وحيدا أعاني من الغضب المستبد وكانت همومي التي فوق ذهني تحوم إذا لم يخني التذكر كنت وحيدا وكانت دروبي تخاف الرياح التي تستجم حكايتنا ملها القلم المستفز فمن ينقذ الأحرف الطافية ليبني بها شمسه المقبلة ويشهر سيفا يحز جذور الليالي المريرة). الديوان: ص56 + ص57. من هذا كله يتبين لنا أن لغة نصوص الديوان قد لعبت دورا واضحا في تشكل مسماه (سراديب) لما توحي به هذه الكلمة – بمعناها الحرفي المعروف بالنسبة إلينا جميعا – من تشابه في المعنى والمدلول مع التكوين النفسي الداخلي للإنسان، وما يعتمل في ذهنه وقلبه ومخيلته من مشاعر وخلجات مخبوءة، غير ظاهرة للعيان، اقتصرها الشاعر على نفسه، كي يخلو لها وحده، وربما لا يرغب في إظهارها، أو ترجمتها للآخرين على هيئة سلوك أو تصرف ظاهري محسوس. أما (الشق النثري) من الكتاب فقد كان عبارة عن مجموعة من النصوص القصصية القصيرة التي خصص لها المؤلف نفسه عنوانا فرعيا هو (بقايا فرح). وهذه النصوص قائمة على تكثيف الفكرة والصورة إلى حد كبير ، وترتكز لغتها على الإيحاء والرمزية والإيماء والاقتضاب، حتى بدت وكأنها (مشاهد) أو (لقطات) مقتطفة من مسلسلات أو أفلام سينمائية طويلة. وهذا – فيما يبدو – ما جعل الكاتب يتناول مادتها بأسلوب (السيناريو) المكتوب، ليحيلها إلى مجموعة من المشاهد المرقمة ترقيما متتاليا (المشهد الأول، المشهد الثاني، المشهد الثالث، المشهد الرابع....إلخ). وعلى الرغم مما وقع فيه مؤلف الكتاب وناشره من خطأ، يتعلق بتصنيفه – كما سبق ذكره – وورود كثير من الأخطاء اللغوية – سواء ما كان منها في الشق الشعري، أو ما كان منها في الشق النثري منه – والتي ربما فات على المؤلف أو الناشر تداركها وتصحيحها قبل عملية الطباعة النهائية للكتاب وتنفيذها، إلا أن ذلك لا يتنافي – في الوقت ذاته – مع كونه عملا إبداعيا جيدا، يستحق القراءة. .
مشاركة :