أظهرت قائمة أكبر 100 شركة سعودية تطورا في أدائها التشغيلي، حافظ أغلبها على مراكزه بنهاية 2014، وبعضها الآخر تقدّم كثيرا على شركات أخرى. وبالنظر إلى رؤوس الأموال المدفوعة فيها التي وصلت إلى نحو 792 مليار ريال، شكّلت نسبة 35.7 في المائة إجمالي رؤوس الأموال المدفوعة في أكثر من 103.6 ألف شركة قائمة في الاقتصاد السعودي (مجموع رؤوس أموالها أعلى من 1.3 تريليون ريال)، والبحث في زيادة تمويل رؤوس الأموال تلك خلال الأعوام الأخيرة، فإن أغلبه تحقق من رسملة الأرباح التراكمية للشركات المدرجة في القائمة، وهو أمر يمكن فهمه قياسا بارتفاع هوامش أرباحها، التي وصلت بنهاية 2014 إلى نحو 117.4 مليار ريال، أي ما يعادل 24.9 في المائة! وهذه تعد من أعلى معدلات الربحية في قطاع الأعمال في أي اقتصاد حول العالم. نتيجة للأداء التشغيلي القوي للشركات المدرجة في القائمة الذي سجلته طوال الأعوام الأخيرة، انعكست مؤشراته الأهم على ارتفاع حقوق الملكية فيها إلى نحو 8.0 أضعاف رؤوس الأموال المدفوعة فيها (925.5 مليار ريال)، ورفع من القيمة السوقية لأصولها إلى نحو 3.7 تريليون ريال. كل هذا يؤهلها إلى درجة بعيدة لأن تتعامل مع التحديات الراهنة التي تمر بها اقتصادات دول العالم بدرجة كافية من الاستقرار، الذي يمنحها مرونة كافية حتى مع احتمال تقلّص هوامش أرباحها التي تعد في الوقت الراهن مرتفعة، ويبقى الأمر الخاضع للنقاش حول المدة الزمنية المتاحة لأي شركة من تلك الشركات، والذي تتحكم فيه جوانب عديدة؛ كالنشاط أو القطاع الذي تعمل فيه، ودرجة انفتاحها على الأسواق الخارجية، وهذه معطيات ليس للإدارة التنفيذية في أي شركة من تلك الشركات إلا أن تأخذها في عين الاعتبار ضمن خططها المستقبلية، وهو الأمر البالغ الأهمية بالنسبة للشركات المدرجة في السوق المالية، ضمن مسؤوليات الإدارة تجاه المساهمين ومجتمع المستثمرين. وبالتدقيق في قائمة الشركات المائة الأكبر في السعودية، سيلاحظ القارئ الكريم أن شركات عملاقة في تلك القائمة تعمل في أنشطة وقطاعات تعتمد بصورةٍ أكبر على الاقتصاد المحلي، كالمصارف التجارية وشركات التطوير العقاري والتشييد والبناء والطاقة والمرافق الخدمية والتجزئة والأسمنت والاتصالات وتقنية المعلومات والنقل والفنادق والسياحة والزراعة والصناعات الغذائية، وأخرى لديها درجة انفتاح أعلى على الاقتصاد العالمي كشركات البتروكيماويات والاستثمار الصناعي والاستثمار المتعدد خارج الحدود، وقد نرى خلال العامين إلى الثلاثة أعوام القادمة تغييرات مهمة قد تطرأ على ترتيب تلك الشركات في القائمة، كانعكاس للتطورات التي يمر بها الاقتصاد العالمي، وارتباط اقتصادنا الوطني بها كجزء رئيس منه. يبقى المحك الرئيس هنا متركزا على إجابة سؤال المرحلة الراهنة؛ ما الخطط والاستراتيجيات التي ستلجأ إليها تلك الشركات وغيرها لمواجهة تحديات وتطورات المستقبل القريب؟ إنه لمن المعلوم لدى المراقبين والمختصين أن القطاع الخاص في السعودية، يتمتع بعديد من مزايا التحفيز الحكومي بدرجة كبيرة، سواء عبر دخول الحكومة بالاستثمار المباشر في الشركات وتمويلها برؤوس الأموال، أو عبر القروض التنموية الممنوحة لها من الصناديق الحكومية وفي مقدمتها صندوق الاستثمارات العامّة أو صندوق التنمية الصناعية، أو عبر عديد من برامج الإقراض الحكومي الأخرى. إضافة إلى جوانب أخرى من التحفيز تتمثل في انخفاض تكلفة استهلاك موارد الطاقة والدعم على عديد من السلع والخدمات والمنتجات الزراعية محليا، التي بمقارنتها مع الأسعار العالمية سنجد أنّها أسهمت بصورةٍ كبيرة جدا في رفع هامش ربحية تلك الشركات، بل إن بعضها يكاد يشكل هذا التحفيز 100 في المائة من هامش الأرباح، وهذه الشركات بالتحديد قد تكون ضمن الأكثر تأثّرا بالتحديات القادمة، مضافا إليها بصورةٍ أكبر الشركات الأكثر تعاقدا مع القطاع الحكومي، وأغلبها يتركز في قطاع المقاولات والتشييد والبناء، والتي تقع ضمن دائرة أكثر المستفيدين من النوع الثالث من المحفزات الحكومية، المتمثل في مناقصات الحكومة لتنفيذ أغلب مشروعات التنمية الشاملة في البلاد. يمكن القول إنه كلما ازداد اعتماد أي من تلك الشركات على المحفزات الحكومية المشار إليها أعلاه، عنى ذلك زيادة أكبر في حجم التحديات المحتملة مستقبلا، الذي يقتضي بدوره بالضرورة من إدارات تلك الشركات الاستعداد المبكر منذ العام الجاري، والتحوط لأية متغيرات قد تتسبب في التأثير سلبا على أدائها التشغيلي، وهو تحد ليس بالهيّن عليها مع تضاؤل الفرص البديلة، وعدم وفرة الخيارات الأخرى خلال الفترة الراهنة، ومقابل سرعة التطورات التي طرأت على الاقتصاد العالمي والأسواق وتحديدا السوق النفطية. وقد يكون من ضمن الخيارات المتاحة، أن تندمج شركتلن أو أكثر في كيان واحد يعزز من الاستقرار المالي لتلك الشركات المندمجة، أو تبدأ الشركات التي تمتلك التمويل الكافي أو الملاءة المالية الجيدة على تشغيل خطوط إنتاج جديدة، كل الخيارات المؤدية لضمان استقرار تلك الشركات، لا شك أنها ستظل متاحة وخاضعة للدراسة من قبل مجالس إداراتها. الأمر الأهم بين كل ما تقدّم الإشارة إليه، أن تولي مجالس إدارات تلك الشركات وإداراتها التنفيذية العناية القصوى بالموارد البشرية الوطنية، فلا يدخل ضمن خيارات مواجهة تحديات المستقبل القيام بإنهاء عقود العمالة الوطنية، وأن يكون في أسوأ الأحوال هو الخيار الأخير، واختصارا للقول في هذا الشأن، يكفي الإشارة إلى أن سهولة اللجوء لهذا الخيار، يعني زيادة في أعداد العاطلين عن العمل، وانخفاض مؤكد على الطلب الاستهلاكي المحلي، وهو ما سينعكس سلبا في نهاية المطاف على أداء تلك الشركات! وفي حال كان لا بد أن يتم اللجوء لمثل هذا الخيار، أن يتم بالتركيز على العمالة الوافدة (مع كل التقدير لمساهمتهم وأدوارهم)، وقد يتطلب الأمر في هذا الخصوص لأهميته القصوى، وللمخاطر الكبيرة المرتبطة به، أن تبادر الأجهزة الحكومية المعنية بالتدخل للحد منه ومنعه بالدرجة الأولى، ذلك أنّ ما سيترتب عليه من ثمن فادح سينعكس في المجمل على الاقتصاد الوطني والمجتمع على حدٍ سواء، ولن يقف الأمر عند حدود انخفاض أداء أو أرباح تلك الشركات، ولما له من أبعاد اقتصادية ومالية واجتماعية وأمنية بالغة الأهمية، وعلى أعلى درجة من الحساسية. والله ولي التوفيق. نقلا عن الإقتصادية
مشاركة :