سقطت أمريكا في الفخ الاستراتيجي!!

  • 3/11/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

‏بالفعل تغيرت صورة العالم بعد تفجيرات 11 سبتمبر2001 ، ولم يعد كما كان من قبل ، فقد تغير المشهد العالمي تماما . خاصة وأن الحادث تزامن تاريخياً مع انهيار الإمبراطورية الحمراء ونهاية الحرب الباردة ، التي كان النظام العالمي في ظلها يقوم على توازن الرعب النووي بين المعسكرين الشيوعي الشمولي والليبرالي الديمقراطي ، وما نتج عن ذلك من إنفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم ، في ظل نظام عالمي لم تتضح ولم تتبلور ملامحه النهائية بعد ، ومنذ تلك اللحظة والى الآن يحاول النظام العالمي لملمة نفسه ليستقر على صورة ما ، تضمن الاستقرار والسلم العالميين وصيغة ما للتعايش السلمي بين الدول والشعوب. ‏الشئ المحرج بالنسبة للولايات المتحدة والذي تسبب في جرح نرجسي عميق لها، كان لحظة ضربها في عقر دارها تزامنت مع تبلور ملامح المرحلة الإمبراطورية في تاريخها حيث بدأت تتضح هذه المرحلة وبصورة غائمة منذ حرب تحرير الكويت في عهد بوش الأب ، وقد كانت أحداث سبتمبر سانحة ممتازة لتتوقف الولايات المتحدة وتعيد حساباتها في إطار استعداداتها للمرحلة الإمبراطورية الجديدة ، إلا أن الأحداث على العكس من ذلك أعطت النزوع الإمبراطوري دفعة قوية ليعبر عن نفسه واقعياً وفعلياً في سياسات لم تدع الفرصة لأحد أن يشكك في مستقبل تأثيراتها على الأوضاع الدولية . ‏ولترتيب الأوضاع داخلياً قامت إدارة بوش الابن بترتيبات استثنائية لتشدد من قبضة السلطة التنفيذية أمنياً عبر مجموعة من القوانين التي تكرس الرقابة وتنتهك الحريات التي كفلها دستور الولايات المتحدة ، وخرج من الصقور من باتوا يروجون لموت الدبلوماسية، فحلت الحروب الاستباقية أو الوقائية محل العمل الدبلوماسي ، وحلت العمليات العسكرية محل الحلول السياسية فكادت ، أن تصبح وزارة الخارجية فرعاً مدنياً من وزارة الدفاع . ‏لكن أحداث (11 سبتمبر ) يمكن أن ينظر إليها من هذا المنظور كما لو كانت فخاً استراتيجياً وقعت فيه الولايات المتحدة ، ويغالب حلفاؤها في الغرب وفي غير الغرب أيضاً ، مغبة السقوط فيه ، أو يحاولون جهدهم التخلص والفكاك منه، فأمريكا التي أعطت عدوها اسم الإرهاب ، لم تسع إلى تعريف وتحديد هذا العدو ، فأصبح عنوانا لكل جهة تريد أمريكا أن ترسل إليها قنابلها وعقوباتها الاقتصادية والسياسية ، وعملياً أصبح الإرهاب مع وجهه الأخر / الديمقراطية ( صفة ) يمكن أن تلحق بكل من يبدي مجرد تحفظات على السياسات الخارجية الأمريكية بمضامينها وأهدافها وآلياتها التي ذكرناها قبل قليل ، وواضح من الإستراتيجية التي طرحها بوش يومها ، وأثارت ما أثارت من ردود أفعال ، إن دولاً حليفة مثل روسيا يمكن أن تصنف في خانة الأعداء . ‏الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه الولايات المتحدة نتيجة تحليلها لتفجيرات سبتمبر كعمل إرهابي هو أنها لم تحاول تحليل أسباب ودوافع الإرهاب والإرهابيين , وإنما اعتمدت في تحليلها على تساؤل بوش العاطفي “ لماذا يكرهوننا ؟ “ كمنطلق ونقطة بدء في التحليل ، وقد انتهى بهم التحليل من هذا المنطلق ، كما هو متوقع إلى إجابة نرجسية عاطفية / أنثوية تتلخص في “ أنهم يغيرون منا “ و “ يحسدوننا “ على ما ننعم به من رفاه . ‏و ياله من أساس تقوم عليه السياسة الدولية لأقوى دولة ويتم التخطيط وفق معطياته لعلاقاتها الدولية . ‏ولكن المرء يستطيع أن يتفهم دوافع مثل هذا السلوك السياسي الغبي ، لأن الإجابة الأخرى على سؤال الكراهية هذا يمكن أن يقود إلى تفحص السياسة الأمريكية برمتها تفحصاً نقدياً موضوعياً ، بمعنى أن الإجابة الأخرى ، أي الإجابة التي تلغي شخصنه الدوافع السياسية ، وتضع الأمور في نصابها وفي مواقعها الحقيقية ، فالمسألة لم تعد كما كانت في مرحلة الحرب الباردة قضية نزاعات أيديولوجية وحروب أفكار ، وإنما هي قضية تشابك مصالح اقتصادية وسياسية لا مجال فيها للعواطف والميول الشخصية. وربما تكون سذاجة بوش هذه هي التي أتاحت لمن يرغب في استغلال وتوظيف وتوجيه قوة العملاق الأمريكي الساذج على النحو الذي يريد ، وهذا هو الفخ الذي نصبته الإدارة الأمريكية لنفسها حين اتخذت مسار التحليل الخاطئ للأسباب الحقيقية لهجمات سبتمبر والذي انتهى بها إلى اتخاذ موقف ردة الفعل العاطفية الآنية ، ودفعها للتمادي في سياساتها القائمة على منطق القوة وحده ، لتتحرك القوى المستفيدة من وقوع العملاق الأمريكي في الفخ وتوظيف ربكته لخدمة مصالحها ،وهذا ما تكفل به اللوبي الصهيوني بقيادة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية لصالح إسرائيل بامتياز . خاتمة : فكر سياسي غبي يستشري في جسد العقل السياسي الأمريكي يقلل من دورها كدولة عظمى تعمل على ترسيخ الأمن والسلم العالمي!

مشاركة :