قالوا في السياسة "لا يوجد صديق دائم وكذلك عدو". لكن أن نستيقظ صباحاً وتُخبرنا السياسة الأميركية وراعية الديمقراطية في العراق! أن الفيل أصبح كائناً يطير فهي بالتأكيد فانتازيا تهريج مُضحكة أو إستخفاف بالعقول تُثير استهزاء المجنون قبل العاقل في هذا العالم الذي بدأ لا يستوعب العقلاء. أميركا التي أطاحتْ بالنظام السياسي في العراق وأوصلتْ هذا البلد إلى قاع الحضيض دون أن تُعلن توبتها كالعاهرة التي لا تخجل ولا تستحي عندما تتحدّث عن الشرف من خطأ إلى خطيئة في مُتوالية لن تُكتب لها خواتيم في الوقت الراهن. السكوت الأميركي الضمني الذي يُخبّئ بين حناياه ذلك العُهر السياسي الذي لا يستسيغه أي منطق أو مبدأ في تشكيل حكومة إطارية قريبة من إيران وذلك الرِضا الممزوج بالموافقة لتأسيس هذه الحكومة التي تعددتْ بها التفسيرات والتأويلات. لكن المؤكد أن مَن ينظر إلى الصورة من الخارج ليس كما يراها من الداخل، فالموافقة الأميركية لِتشكيل هذه الحكومة أو على الأقل عدم إبداء ذلك الرفض الذي كانت تُشير إليه سياساتهم وأدبيّاتهم ما هو إلّا موقف يُخفي وراءه الكثير من الإملاءات والشروط الواجب توفّرها لِكسب الودّ الأميركي قد يكون أولها الإستغناء عن الإتفاقية الصينية التي كان يُنادي بها الإطار التنسيقي لِتطبيقها ضمن مشاريع الكهرباء وإعطاء الأولوية لِشركات جنرال إلكتريك الأميركية بدل شركة سيمنز الألمانية وانتهاءً كما يبدو بالتغاضي وغض الطرف عن قرار البرلمان العراقي الذي جَرّم التطبيع مع إسرائيل أو حتى ربما الموافقة على التطبيع ليكون هذا الأمر واجب التنفيذ وليس رجاءً كما حدث لِذلك التغاضي في الإجتماع الذي جمع رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد مع مسؤولين إسرائيليين في قِمة المناخ التي عُقدتْ في مصر والذي لو حدث هذا اللقاء في زمن حكومات سابقة لَعَلا الصُراخ وضجّتْ الفضائيات العراقية بعويل الذين يُنادون بتحرير فلسطين ويتباكون عليها. في المُحصّلة أميركا أوقعت الإطار التنسيقي في الفخ الذي نصبته له في تشكيل الحكومة العراقية، فالولايات المتحدة تعلم جيداً أن هذه الموافقة المشروطة ما كان لها أن تحدث لو كان الإطار التنسيقي خارج مساحات السُلطة، ولِضمان عدم مطالبته مُستقبلاً بخروج القوات الأميركية من العراق. الحكومة الإطارية التي تكوّنت برئاسة محمد شياع السوداني باتتْ ضمن إطار تنفيذ الشروط والتخلّي عمّا كانت تُطالب به مُسبقاً لإستمرارية بقائها وديمومتها. ويبقى السؤال: هل كانت أميركا بكل هذا الغباء لتسمح لِفصائل وأحزاب قريبة من إيران لتشكيل حكومة في العراق؟ يأتي الجواب مُسرعاً.. كلا. فهؤلاء سيكونون ضمن سيطرة مناطق النفوذ الأميركي الذي بدأت ملامحه منذ الوهلة الأولى لِتشكيل الحكومة عندما قامت السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي بزيارات تحذيرية مُتكررة لا تخلو من تهديد بدليل ما تسرّب من قولها أو تحذيرها للسوداني من أن نهاية حكومته ربما تكون مُشابهة لِنهاية حكومة عادل عبدالمهدي في إشارة إلى تلك التظاهرات والفوضى التي إنتهت بسقوط حكومة عبدالمهدي. بالمُحصّلة سيكون على الإطار التنسيقي المُقرّب من إيران الرضوخ للأمر الواقع والقبول بإشتراطات السفيرة الأميركية وإلّا فإن النتائج معروفة، لكن فات هؤلاء أن الموافقة والرضوخ للشروط الأميركية يعني أن المواجهة مع الإيرانيين قادمة لا محالة حتى وإن تأجّل موعدها، فالجانب الإيراني لطالما كان يُنادي ويُطالب حلفاءه وأصدقاءه في بغداد بضرورة إخراج القوات الأميركية من العراق فكيف سيكون الموقف المُستقبلي من هؤلاء الحُلفاء. خواتيم النهايات ربما ستكون مفتوحة في هذا البلد أو مؤجّلة لإشعارٍ آخر ريثما تَستقّر أو تتّضح الصورة في نتائج الحرب الأوكرانية أو مُخرجات الإتفاق النووي مع إيران وأحداث إقليمية قد تكون مُتشابكة فيما بينها لِتنتُج خلطة قد تُحدث تغييراً في الوضع السياسي العراقي الذي بالتأكيد لن يكون مُستقراً ما دام هناك من يتحكّم باللعبة من الخارج.
مشاركة :