نتجاهل كثيرا صوتنا الذاتي، الذي يحذر من تكرار نفس الأخطاء، حين نهم بارتكابها في حق أنفسنا. فما أن نشعر بنبرة الجدية، وارتفاع صافرة التنبيه، حتى نكتم كل ذلك ونخنقه، بكل غرور واستكبار، إلى أن يلفظ أنفاسه، ونمضي فيما كنا ننوي، ونكمل الخطأ الذي بدأناه بسلام! أكثر ما ينغص عليك يومك، حين تسمع صوتك، يلح بخطورة الاستمرار، في تلبية رغبات الآخرين، على حساب وقتك ومصلحتك. ومع ذلك تتجاهل كل الأدلة والحسابات، التي يفندها أمامك. وتبالغ في تعطيل حياتك، لتلبية تلك الرغبات. لتقنع نفسك، بإن تلك التحذيرات، مجرد مخاوف وتكهنات، أطلقها الجانب الضعيف في نفسك. وفي الواقع الذي تتجاهله، كنت طُعما سهلا وقع للتو في مصيدة الابتزاز العاطفي. وشعورك المستمر بالضيق، كان سببه حجم الالتزام المستمر، الذي ورطت نفسك به، وبدأت تشعر به تجاه الآخرين. وفي هذا الوقت المليئ بالمتغيرات العجيبة. أصبح الابتزاز العاطفي، يمارس بشكل رسمي وعلني، من قبل بعض المؤسسات الرسمية. التي تتلاعب بنفسية الناس، بشكل مباشر وغير مباشر. من خلال مشاهير التواصل والاعلانات، والحملات الترويجية والتوعوية، التي يقودها افراد، همهم الأوحد، الحصول على مردود مادي. فيعرضون صور مأساوية، ويكشفون ستر المحتاجين، للضغط على نفسية الناس، بإثارة مشاعرهم، واستدرار عطفهم، لدفعهم للتبرع على سبيل المثال. وأكثر الذين يبتزونك عاطفيا. يعرفون الجوانب الدقيقة من شخصيتك. ويعرفون نقاط ضعفك، ما يجعلهم يتكأون عليها، لتسهيل عملية الوصول، لما يريدون تحقيقه من خلالك. فتجد أغلبهم، في دائرة الأسرة والأقرباء، وربما تربطك بهم، علاقة عاطفية أو اجتماعية. وهذا ما يدفعك، للإذعان لابتزازهم بكل سهولة، دون أن تشعر. فمثلاً، إذا استغل فرد مكانته الاجتماعية في الاسرة، لتحقيق شيئا ما من خلالك، ونجحت محاولته. فهذه المحاولة، عادة لا تتوقف عند هذا الأمر، بل تتكرر ، لأنك تسهل له، الحصول على ما يريد، دون أن يبذل مجهودا، وربما لأنه يعرف بأنك تخجل أن تقول “ لا”. ولكن، مع كل مرة تنفذ فيها أمرا، سيزداد شعورك بالضيق. وقد تتفاقم عملية الابتزاز العاطفي، وتستمر لعقود من الزمن، حين يتم إقحام، العادات والتقاليد، ومنهاج الأسرة والجماعة والقبيلة. ليصبح الفرد رهينة وسُخرة، خوفا من انتقاده، او اتهامه بعدم الانتماء. ومن أكثر الأمثلة الدارجة، استخدام أحد الوالدين سلطته في الأسرة، ليحمّل الأبناء ذنب شقائه، أو صبره على أذى الطرف الآخر، وبقائه في المؤسسة الزوجية، من أجل تربيتهم ومعيشتهم. فيذعنون لما يملى عليهم، خوفا من فقدان ذلك الأمان. ليعيشوا طوال حياتهم، يكفرون عن ذنب، لا يعرفون ما هو، إلى أن يكبروا ويكتشفوا أن الذنب كان وجودهم في الحياة ! والمبتزون الآخرون، الذين يحومون في دائرة “ المعارف والأصدقاء”، يأتي أغلبهم بثوب الناصح، الذي يهمه أمرك تارة، ليأخذ منك ما يريد. أو بثوب الضحية، التي تستهدفه كل معاناة الدنيا، دون غيره من البشر. فيغرقك بهمومه وأحزانه، وبعدم وجود إنسان يساعده، منذ بدء الخليقة. مظهرا ضعفه لاستدرار عطفك، بوضعك تحت وطأة الشعور بالخوف، أو الالتزام، أو الذنب، ليعتريك الإحساس بالتقصير وتأنيب الضمير. فإذا استسلمت وانصعت، يقودك على الفور، إلى نفق الابتزاز الخانق، الذي ما أن تدخل إليه، فلن تعرف طريقا للعودة، وتظل عالقا لسنوات طويلة، تبحث عن خيط من ضوء يخرجك من الأسر. لا تكابر وتجعل من نفسك، رهينة للابتزاز العاطفي، انصت لصوتك الداخلي، وقل لا وأنج بنفسك، فلن ينقذك من الضياع في نفق الخوف، والشعور بالذنب، والالتزام، الا أنت.
مشاركة :