ويرحل صاحب ديوان «زلة أخرى للحكمة» وبرحيله تسقط حبة أخرى من عقد الثقافة العربية.فبرحيل جريس سماوي إثر إصابته بفايروس كرونا، يضاف اسم آخر لقائمة المثقفين الراحلين في زمن كورونا. رحلوا دون أن يُخبروا، وحين رحلوا اكتشفنا أن ظلهم باق ببقاء ما ورثونا من نصوص خالدة تروي كل ما نرغب بسماعه.كل مثقف رحل، ترك ظله بيننا.. واليوم جاء الدور على جريس سماوي، المثقف والشاعر الذي زرع بذوره في جيل محب للشعر وللثقافة وفنونها وللمخيال الجماعي الأردني.شاء القدر أن يرحل عن عالمنا صاحب ديوان «زلة أخرى للحكمة»، وزير الثقافة الأردني الأسبق، والشاعر والمثقف، جريس سماوي.وشاء القدر أن نستضيفه في آخر عدد من بودكاست «على أثر» عبر منصة «عكاظ» ليكون له رأي في الكتابات الأدبية الآنية التي فرضتها جائحة كورونا.فاجعة رحيل سماوي، تلبدت بما خلفته كورونا في نفوسنا، فالرحيل موجع، وموجع أكثر حين لا يستأذن.كنت قد برمجت معه حواراً مطولاً لصحيفة عكاظ عن الثقافة والمثاقفة، عن مآلات الترجمة، وعن الروائي الأردني غالب هلسة الذي وجد مكانه في المشهد الثقافي الأردني عندما تولى جريس سماوي منصب وزير للثقافة، وأرسلت له الأسئلة وطلب مني مهلة كي يعيد إرسال الأجوبة. بعدها بأيام عاد لبخبرني أنه مصاب بالفايروس.سماوي لم يكن مثقفاً محتالاً في كتابته، ولكنه كان ينقل الواقع، فهو لم يملك ذلك الأنا المسترسل بالكبرياء، ولم يحاول أن يؤلف الأقاصيص ليباهي بها أو ليصنع لنفسه مجداً... بل حمل بشيء من البساطة هموم المثقف في الوطن العربي.التقيته في مهرجان الفجيرة للفنون والمسرح، حيث أدار باقتدار ندوة فكرية حول «دور المسرح والثقافة كقوى ناعمة» وقال يومها، وزير الثقافة الأردني الأسبق، سماوي «إن القوى الناعمة كمفهوم جديد استُخدم للتحكم في إدراك وسلوك المتلقي بغية إيجاد عادات إيجابية من أجل السلام، وإن الثقافة والفن والإبداع من أهم أدوات هذا السلاح العالمي».امتلك جريس سماوي كشاعر ومثقف رؤية عن الإنسان والعالم... ومن خلالها كرس نصوصه الشعرية، وهو الذي رضع فنون القصيدة مذ بواكير الصبى، فرسم بخياله الجامح قصائد شعرية وسمتها بميزات خاصة.رؤية سماوي لم تكن وليدة اللحظة ولا نتيجة تراكمات ثقافية ولكنها تجديد للأفكار. أفكار رأى من خلالها أن الزمن يتطلب ذلك والعصر يفرض ذلك.فالشعر عنده والكتابة عبق من الوريد إلى الوريد.. فعلق بالقصيدة ونُظمها وحمل هموم الشعراء، وعلق الشعر بسماوي، وصار ظله الثقافي، يبحث من خلاله عن اليقين وينظم منه البديع من الكلم..جريس سماوي الذي تضرع في محراب أهله البعيدون الذين رحلوا إلى الماضي بدونه، التحق بهم في غفلة منا، وفي زمن كورونا دون أن يكمل نصه البديع... وقبل ذلك صدح بأنه يظل يبحث عن ذلك اليقين في نصوصه الشعرية....وأهلي أضاءت محاريثهمفي الحقول البعيدةشف التراب عن الغامض الغائبارتبك الماءمن رغبات الجرار العتيقةمن شقة الطينيثغو، يحنُّ إلى الكهف...صاحب الظل الثقافي، الذي حمل قضايا الشعر المختلفة في قصائده، رحل وهو الذي كان يردد أنه لن يترك فسحة للملل كي يتسلل إلى نفسه...هو الخوف يا صاحبيجرنا من مساءاتنامن رؤانا البعيدة، من شوقنافأتينا هنا نحتمي بالجدارنرتدي ظلهنرتجي في سماء الأمانحين لم تحمناكل هذه الجيوش الدخان< Previous PageNext Page >
مشاركة :