صائدو السجاد في أفغانستان يخاطرون من أجل تحفة نادرة

  • 3/13/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يستحق جمع التحف العناء، لكنّ صائدي النسيج في أفغانستان يعرّضون حياتهم للخطر، فإذا ما نجوا من قطّاع الطرق فإنهم يواجهون طالبان والذئاب في المسالك الجبلية الوعرة من أجل جمع السجاد القديم الذي أصبح عزيزا ونادرا بعدما قلّ نسّاجوه من البدو الرحل الذين استقروا مؤخرا وامتهنوا مهنا أخرى. كابول - يتحدّى شاري اللهقل العواصف الثلجية على القمم العالية في بحثه المحموم عن آخر السجادات القديمة في أفغانستان، ويتعرض صائد السجّاد أحيانا للضرب والنهب من قبل قطاع الطرق، أو يتعلم تفادي عناصر حركة طالبان. يجوب شاري الأراضي الصخرية والشديدة الانحدار في شمال أفغانستان على ظهر حصانه، ويستعين بالبغال لتحميل ما يشتريه من القبائل الرحّل من سجاد ثمين مصنوع يدويا. ويروي شاري الذي يضطر إلى تمضية “الليالي في الغابات أو الصحاري” ويعتمد على كلبه القوي لحمايته أثناء نومه أن “الطرق خطرة وتعجّ بالذئاب والأعداء”. على مدى أسابيع أو أشهر، يسلك الباحثون عن السجاد المسارات التي كانت تتبعها القوافل في الماضي، ويجوبون كل قرية للعثور على قطع قديمة نادرة يشترونها بالمال أو يبادلونها بسلع استهلاكية حديثة ليبيعونها لاحقا لهواة السجاد. وتتوقف نوعية السجادة على عمرها وحالتها وحجمها، فإذا كانت عالية الجودة، قد يصل سعرها في القرى إلى 100 أو 200 دولار، ويكسبون منها بالقدر نفسه عند بيعها، لكن هذه الحياة محفوفة بالمخاطر. شاري الذي شهد منذ الطفولة في هذه المهنة الكثير من المغامرات، كتعرّضه للضرب ذات مرة بأعقاب البنادق من قبل قطّاع الطرق. والمفارقة أن هؤلاء لم يدركوا قيمة السجاد الذي يحمله، إذ كان كل ما يريدونه سلبه نقوده، حتى أنهم قالوا له “إرمِ تلك البسط القديمة”. ولطالما كانت هذه الأخطار ملازمة للمهنة، يتذكر شاري أن والده الذي علّمه أصولها بعدما ورثها بدوره عن والده، كان يخبره قصة حصلت قبل زمن بعيد، عن صديق ذهب للبحث عن السجاد فالتهمته الذئاب حيا بعد أن حاصرته بسبب عاصفة ثلجية، ولم يُعثر على أثر له سوى “حذائه وبساطه”. الباحثون عن السجاد يسلكون مسارات القوافل في الماضي للعثور على قطع نادرة يشترونها بالمال أو يبادلونها بسلع استهلاكية ومع تزايد حدة المخاطر اليوم بفعل انسحاب القوات الدولية من أفغانستان، بات شاري يتنقّل ضمن مجموعات، مفضلاً المرور عبر الجبال على سلوك الطرق لتجنب المعارك وحركة طالبان. وتمتد المنطقة التي نسجت فيها قبائل الرحّل أكثر السجادات دقّة في أفغانستان على مدى قرون، من مدينة قندوز في الشمال إلى الغرب، على طول الحدود مع أوزبكستان وتركمانستان، وصولا إلى الجنوب القريب من إيران. ينتقل شاري من قرية إلى أخرى بناء على المعلومات التي تزوّده إياها شبكة المتعاونين معه. وقد يفاصل شاري لساعات على سجاد غالبا ما يكون نسجته عائلة عروس لتكون بمثابة المهر لزواجها. السجاد المرغوب جدا هي ذلك الذي يبلغ عمره العشرات من الأعوام والمزيّن بأنماط قبلية، من صوف مغزول يدويا ملون بأصباغ طبيعية مأخوذ من جذور الزهور أو بتلاتها. وينبغي غسل السجادة وتجفيفها على الأسطح لأشهر عدة حتى تنعش الشمس ألوانها، أو حتى يتم تصليحها بدقة، قبل بيعها في المدن الكبيرة. ويشبّه شاري تصليح السجاد أو بيعه بـ”تربية الطفل”، إذ “يتطلب عملا شاقا”. ويستغرق صنع السجادة ما بين ستة أشهر وسنتين. في نهاية المطاف، يمكن بيعها بالآلاف من الدولارات في السوق العالمية. ويُعتبَر عبدالوهاب أحد أبرز جامعي السجاد في كابول، وقد اشترى مجموعته قطعة قطعة من صائدي السجاد. يقول “نحن نعتمد بنسبة 99.9 في المئة على هؤلاء الأشخاص”. لكنّ وجه هذه التجارة تغّير بعد عقود شهدت صراعات وهجرات واتسعت خلالها رقعة المدن وسكانها. واستقرت القبائل الرحّل إلى حد كبير، وتخلّت العائلات عن الكثير من المهن المرتبطة بصناعة السجاد، على ما يلاحظ تجار من العاصمة. ويعود ذلك إلى أن منتجات أرخص ثمناً باتت تنافس سجادهم، تنتجها بكميات كبيرة ورش صناعية باستخدام الصوف المستورد والأصباغ الاصطناعية. ويرى عبدالوهاب الذي يملك أيضا متجرا في كندا أنه “أمر محزن حقا”. ويلاحظ أن “الصوف بلجيكي والأصباغ من بلد آخر.. لم يعد يوجد أي شيء أفغاني على الإطلاق”. ويشكو من أن النسخ ذات الجودة المتدنية تنتشر في أفغانستان وكذلك في باكستان والهند، ما يجعل من الصعب بيع سجاد عالي الجودة للزبائن الذين لا يعرفون الفرق. لا يتردد بعض التجار في معالجة السجاد المصنّع بالمواد الكيميائية أو غسلها بالشاي لجعل ألوانها باهتة والإيحاء بأنها قديمة. ويذهب الآخرون إلى حد إمرار سياراتهم عليهم لجعلها تبدو مستعملة مما يساعدهم في رفع أسعارها. وحده الفحص الدقيق من شخص يتمتع بالخبرة في هذا المجال يمكن أن يكشف عن القيمة الحقيقية للسجادة. ويوضح صاحب شركة “هرات كاربتس” في كابول وحيد عبدالله أن “الأصباغ والأسلوب والحالة والشكل هي العناصر التي تحدد قيمة القطعة”. وإذ يقرّ عبدالله بأن السجاد القديم ليس دائما عالي جودة، يشرح أن الأنماط المميزة أو خاصيّة معيّنة أو عيبا تركه الحائك عمدا يمكن أن يفرّق السجاد المنسوج يدوياً عن ذلك المنتج صناعيا، “إنه فن حقيقي. من الصعب شرحه”، على ما يقول. لكنّ هذا الفن في طور الاضمحلال لأن القطع القديمة المنسوجة يدويا أصبحت نادرة الوجود، إذ يشعر جامعو السجاد بالقلق من احتمال انقراض جزء من التراث الوطني، لكن السلطات المنشغلة بالحرب لديها أولويات أخرى. ويأسف صائد السجّاد زلماي أحمدي من هرات غرب أفغانستان، لكون “السجاد المنتج صناعيا أساء إلى قطاع السجاد الحرفي”. فخلال جولتيه الأخيرتين، لم تتعد غلّته سجادتين، علماً أنه كان ليعود من جولة مماثلة، قبل بضع سنوات، بالعشرات من القطع. ويقول، “الرحلات أضحت صعبة جداً. قد يعترضنا عناصر طالبان أو القوات الحكومية أو لصوص. إما أن يطلبوا منك المال أو أن يقتلوك”. ويضيف، أن الباحث عن السجاد في الماضي “كان يستطيع الحصول على أي شيء يريده، أما الآن فلا يمكنه العثور على أي شيء”.

مشاركة :