التواجد الروسي عسكرياً على الأراضي السورية لم يعد حبيس تصريحات التهرب والانكار والتلميح، حيث أقرت كل من دمشق وموسكو بتواجد عسكريين روس في اللاذقية وطرطوس والتي تعد أهم معاقل النظام وتشكل البيئة الحاضنة له، وتعتمد قوات الأسد العسكرية على هذه المناطق لتعزيز صفوفه بالمقاتلين. الاعتراف الرسمي جاء بعد عدة أسابيع من تداول تقارير عن احتمال تكثيف الوجود الروسي، في خطوة يحمل توقيتها الكثير من الاستفهامات، ويتمثل الوجود حسب مسؤولين روس في ارسال خبراء عسكريين لتدريب قوات النظام السوري على استخدام المعدات الروسية الجديدة. الدول الغربية أعربت عن قلقها من تزايد الوجود العسكري لروسيا وحذرت من أن التوجه الجديد الذي من شأنه تعقيد الأزمة السورية بشكل كبير، ولن يسهم في انتهاء الصراع، بل ويبدد فرص المسارات الدبلوماسية، وخطط التفاوض التي رسمت غالباً على أساس تنفيذ مقررات مؤتمر "جنيف 1"، حيث وصف الرئيس الأميركي هذه التحركات بأنها "آيلة إلى الفشل" لكونها استراتيجية قائمة على دعم نظام بشار الأسد، وإن كان يتضح أن تحركات الأخير بعثت القلق في نفس باراك أوباما، كما عبرت فرنسا أيضاً عن قلقها من تعزيز الوجود العسكري الروسي وحذرت من تأجيج النزاع. مسار الدعم العسكري الروسي لا يختزل في أهمية سورية على الموقع الجغرافي، ولا حتى بعد الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط التي عقبت ما يسمى الربيع العربي، بل تخشى فقدان منفذها إلى المياه الدافئة، بالتزامن مع عزم البحرية الروسية اجراء مناورات عسكرية بحرية قبالة السواحل السورية وجزيرة قبرص، تستخدم فيها خمس سفن وتتضمن التدريب على الدفاع عن الساحل، والتصدي لهجوم جوي. ويعتبر دعمها امتداداً لتعزيز حضورها على سواحل البحر المتوسط. والموقف الروسي في ذلك واضح كما عبر عنه وزير الخارجية سيرجي لافروف عندما قال إن بلاده ستواصل الإمدادات العسكرية إلى النظام السوري بالتزامن مع ارسال أخصائيين يساهمون في تركيب العتاد الجديد والتدريب عليه. مدينة اللاذقية تعد معقل الأقلية العلوية التي تنحدر منها عائلة بشار الأسد، وتشكل حاضنة شعبية له. لم تجد المدينة أمامها أي خيار أخر سوى التمسك ببقاء النظام السوري مقابل أي ثمن، وترى أن استمراره يعد صمام أمان يحافظ على بقائها كإحدى الأقليات في النسيج السوري، وقد تحولت المدينة بعد التحركات الروسية الأخيرة إلى ما يشابه الثكنة العسكرية الكبيرة بعد هبوط عدد من الطائرات الروسية بينها طائرات شحن عملاقة حملت مساعدات عسكرية حسب تقارير أميركية، وبدأت القوة الروسية على الأرض بعمليات توسعة وانشاء بمطار شمال المدينة في خطوة لجعله مركزاً لقاعدة تستقبل الطائرات العسكرية كبيرة الحجم والتي من الممكن أن تحمل عتاداً عسكرياً نوعياً، ما يدل على عزم الروس تحصينها بشكل كبير، ويرجح تحويلها إلى ملجأ للأسد مستقبلاً في حال سقوط العاصمة دمشق بحيث تكون قلعته الأخيرة على التراب السوري. أما مدينة طرطوس التي تقع شمال غرب سورية وتطل على البحر الأبيض المتوسط، فتحتضن قاعدة بحرية روسية، أنشأها الاتحاد السوفيتي إبان الحرب البارد وأهملت بعد سقوطه، إلا أنه أعيد تفعيلها بعد ذلك ضمن اتفاقية بين النظام السوري وروسيا واستخدمت كمركز للتموين والدعم اللوجستي للبحرية الروسية، وشهدت عدة تحركات لسفن روسية خلال الفترة الماضية، وتناقلت مواقع إلكترونية صوراً لجنود روس مدججين بالأسلحة يقفون بالقرب من صور لبشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتقد أنه تم التقاطها في طرطوس. تواجد روسيا يعبّر عن وجهة نظرها في كون نظام الأسد وقواته هي الأجدر والأكثر فاعلية في مكافحة الإرهاب وعلى رأسه تنظيم داعش. إن موسكو تسعى اليوم لإشراك نظام دمشق في "التحالف الدولي" الرامي للقضاء على التنظيم المتطرف وهو ما يمثّل طوق نجاة للنظام السوري ودوره على الأرض. اما دول المنطقة والمجتمع الدولي فترى أن التسليم بهذه الفكرة يعد تخلياً كاملاً عن الثورة السورية، وانقلاباً على التضحيات التي قدمها الشعب السوري في سبيل حريته خلال السنوات الخمس الماضية. أما التنظيمات الإرهابية المتواجدة في سورية فلا تخلو ذاكرتها من مواجهات مع الروس في الماضي، وتعتمد على كثير من الأفكار التي تمت بلورتها خلال فترة حروب أفغانستان ومواجهة الاتحاد السوفيتي وما بعدها، وقد تعتبر هذه التنظيمات الوجود الروسي عذراً جديداً لها لشن حملات تجنيد للمتطرفين حول العالم، بطريقة تحور فيها المستجدات الإقليمية لصالحها.
مشاركة :