بقلم: شيخة آل ثاني كنّا مُدركين منذ اللحظة الأولى لفوز بلادنا بحقّ استضافة أوّل بطولة لكأس العالم لكرة القدم في الشرق الأوسط أنّ هذا الفوز سيجعل دولة قطر محط اهتمام العالم وسيكون مصحوبًا بالنقد والتمحيص، لكننا وعلى مدى خمسة أعوام تلقّينا من النقد ما لم تواجهه دولة أخرى استضافت هذا الحدث قبل اليوم، ولم يغيّر ذلك من إيماننا بضرورة أن تكون هذه البطولة حافزًا لتطوير بلادنا وفق رؤيتنا الوطنية بعيدة المدى، لكن في الوقت ذاته فإن علينا مسؤولية لنقل صورة صحيحة عن قطر بعيدًا عن الاتهامات الظالمة التي لا تستند لأيّ دليل أو برهان وعن منطقة الشرق الأوسط رغم الظروف الراهنة. ولعلّ من أكثر العناوين التي تداولتها الصحف العالميّة حول كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 هي تلك المتعلقة بمدينة لوسيل، المدينة التي ستستضيف النهائيات وهي لم تُنشأ بعدُ. ولا أدري فعلًا كيف تحوّل هذا الأمر إلى موضوع للنقد في حين وجب أن يكون مدعاة للإعجاب، فالمدينة التي كانت في أولى مراحلها الإنشائية في عام 2010 شهدت تقدمًا كبيرًا على مدى السنوات الخمس الماضية، وخلال الشهر الماضي أعلن عن بدء العمل بميناء لوسيل، وأُعلن عن بيع 35 فيلا في جزر قطيفان، لتختتم بذلك المرحلة الثانية من مبيعات العقارات في إحدى أكثر المناطق القطرية حداثة وتطورًا. ورغم الطابع الحديث لمدينة لوسيل إلا أنّ أهمّ ما يُميزها هو تاريخها العريق، فهذه المدينة التي ستستضيف المباراتين الافتتاحية والنهائية لكأس العالم لكرة القدم "قطر 2022 " لطالما لعبت دورًا هامًا في تاريخ البلاد منذ عهد المؤسّس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، والذي سكنها في مراحل مختلفة من حياته ودُفن فيها بعد وفاته في السابع عشر من يوليو عام 1913. ففي أواخر حياته وتحديدًا عام 1902 انتقل المؤسس من بلدة الظعاين ليُقيم في قلعة لوسيل - التي تقع إلى الشرق من موقع مشروع استاد لوسيل- والتي أصبحت مركز الحكم حينها، وكانت رمزًا للمرحلة التي ظهرت فيها قطر على خريطة المنطقة والعالم كرقم صعب يشقّ طريقه بكل ثقة في محيط مليء بالتحديات. في وقت سابق من هذا العام أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أن المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم قطر 2022 ستُقام في يوم تاريخي بالنسبة لأهل قطر، إذ إن تغيير موعد كأس العالم إلى الخريف عني أن المباراة النهائية ستُقام في اليوم الوطني لدولة قطر الذي يُصادف الثامن عشر من ديسمبر، وهو اليوم الذي يجتمع فيه كل سكان قطر للاحتفال بذكرى تولي الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني قيادة البلاد خلفًا لوالده ليسير بالبلاد نحو الوحدة وترسيخ الأسس. ومع اجتماع رؤية المؤسس بعيدة المدى لمستقبل قطر مع الشعور المتنامي لدى أهلها بالهُوية الوطنية الجامعة المستقلة عن نفوذ أكبر قوى المنطقة حينها الدولة العثمانية وبريطانيا، برز دور مدينة لوسيل التي تتحول اليوم أمام أعيننا لمدينة حديثة تضم 19 منطقة على مساحة 38 كيلو مترًا مربعًا تضم أشكالًا مختلفة من العمران تتنوع بين المنازل ذات الواجهة البحرية والمحاطة بالحدائق وناطحات السحاب والتي ستوفر مجتمعة مساحة فريدة من نوعها لحياة 200,000 شخص. مدينة لوسيل شركة الديار القطرية المسؤولة عن مشروع مدينة لوسيل لا تعتبر هذا المشروع مجرد مشروع تطوير عمرانيّ وإنما تنظر للمدينة بوصفها مدينة متكاملة قائمة بذاتها ترمز للنهضة التي تشهدها دولة قطر على كافة الأصعدة، ويُعدّ مشروع استاد لوسيل جزءًا من هذه النظرة لمدينة مستقبلية تُبهر العالم. وقد أعلنت اللجنة العليا للمشاريع والإرث - وهي الجهة المسؤولة عن الإشراف على إنجاز مشاريع البنى التحتية المرتبطة بكأس العالم لكرة القدم قطر 2022- في وقت سابق من هذا العام عن اختيار شركة فوستر وشركاه - إحدى أشهر دور التصميم الهندسي العالمية- كمستشار تصميم لمشروع استاد لوسيل الذي سيكون أبرز الاستادات التي ستستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم في 2022، وسيستمر بلعب دور رئيسي في مستقبل قطر كمركز رياضي عالمي. ولعلّ أفضل تعبير عن الدور الذي تراه قطر لاستادات كأس العالم هو ما ورد في الصفحة 744 من ملف الاستضافة الذي تقدّمت به قطر على لسان العضو المنتدب للجنة العليا للمشاريع والإرث سعادة الشيخ محمد بن حمد آل ثاني حين عبر عن التزام المنظمين تجاه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والفرق والمشجعين والشعب القطري الذين سيتشاركون معًا بهذه التجربة الرائعة لاستضافة أول بطولة لكأس العالم في الشرق الأوسط قائلًا: "إن جوهر بطولات كأس العالم هي الاستادات التي لا تمحى من ذاكرة ملايين المشجعين الذين يعيشون فيها أحلى اللحظات. لقد غيرنا بملفنا هذا وجه ملفات الاستضافة وقدمنا مفهومًا مبتكرًا لاستضافة البطولة، ولهذا كان لا بد لنا من التوصل لمقاربة مبتكرة وجديدة في تصميم الاستادات ويظهر ذلك جليًا في كل واحدٍ منها. وتجتمع عناصر الابتكار معًا بأبهى صورها في استاد لوسيل الذي صممته إحدى أبرز الشركات العالمية فوستر وشركاه". منطقة المارينا بمدينة لوسيل ومع تصاعد الحماس والترقب لاستقبال تصميم الاستاد الجديد، تشهد مدينة لوسيل تطورات متلاحقة على الأرض، وليست لوسيل وحدها التي تعيش حالة تطور مستمر بل البلاد بأكملها، فمنذ إطلاق رؤية قطر الوطنية 2030 تحققت الكثير من الإنجازات في رحلة قطر الطموحة والطويلة نحو زيادة مستويات التنمية البشرية وتحقيق التنوع الاقتصادي المستدام. ويذكرني هنا أنه ومع تولي سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم عام 2013، كتب سعادة الشيخ حمد بن جبر آل ثاني المدير العام السابق للأمانة العامة للتخطيط التنموي مقالًا قال فيه إن قطر على وشك الدخول في مرحلة جديدة من النمو والازدهار مبنية ومستلهمة من الإنجازات التي تحققت في عهد صاحب السمو الأمير الوالد، وفي ظني فإن مدينة لوسيل ورؤيتها المستقبلية تقع في قلب هذه المرحلة التنموية الجديدة. في ديسمبر الماضي خسرت قطر الشيخ جاسم بن ثاني آخر أحفاد المؤسس وجدي الأكبر، والذي كان حريصًا على نقل التجربة التاريخية للجيل المؤسس للأجيال القادمة، وحين أستعرض الآن رواياته في ذاكرتي تلحّ عليّ تلك الصورة التي انتشرت عبر الإنترنت حول مدينة لوسيل، المدينة التي لم تُنشأ بعد، وبالنسبة لي فإن لوسيل المدينة والاستاد هما جزء من قطر ومن تاريخ هذه البلاد كما هما جزء من مستقبلها الذي ستنظم فيه بطولة لا تُنسى لم يرَ العالم لها مثيلًا من قبل.
مشاركة :