أكدت تقارير دولية وخبراء طاقة، جهود السعودية في الحد من الانبعاثات الضارة ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة الكرة الأرضية بما لها من تداعيات واسعة. وأشارت التقارير إلى أن مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون التي تتبناها السعودية تسهم في رفع الكفاءة وترشيد الطاقة وحشد الجهود الدولية للحد من الانبعاثات وتأثيرات تغير المناخ وحماية البيئة. وذكرت أن السعودية تدعم اتفاق باريس بكل قوة وعززت جهود مكافحة تغير المناخ بشكل لافت خلال رئاستها اجتماع مجموعة العشرين، كما تعمل من خلال دورها المؤثر في منظمة أوبك على تحفيز جميع منتجي النفط على الوفاء بالتزامات البيئة من خلال رفع كفاءة الإنتاج والسيطرة على انبعاثات الكربون وتدويرها في جميع الاستثمارات القائمة على موارد الوقود الأحفوري. وفي هذا الإطار، أكدت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "يونيدو" أن السعودية في ظل قيادتها رئاسة مجموعة العشرين أخيرا أيدت سياسات مهمة تقوم على نهج جديد وهو الاقتصاد الدائري للكربون، معتبرة النهج السعودي يعد شاملا ومتكاملا وعمليا لإدارة الانبعاثات، ويمكن تطبيقه بنجاح وكفاءة عالية. وأشار تقرير حديث للمنظمة الأممية إلى أن الاقتصاد الدائري للكربون يقوم على عدة سياسات وبرامج تستهدف تقليل وازالة الكربون وإعادة الاستخدام والتدوير بشكل متقدم للغاية، لافتا إلى نجاح خطط عمل السعودية في التقدم نحو ضمان أسواق طاقة مستقرة وآمنة وتوصيل الطاقة إلى الجميع، مع إدارة شاملة للانبعاثات والنهوض بمستقبل أنظف وأكثر استدامة. وأوضح التقرير أن المصادقة على منصة الاقتصاد الدائري للكربون في السعودية قدمت مثالا رائعا على التزام الرياض بسياسات ناجحة ومتطورة وذات كفاءة عالية في مجال الطاقة، بما يسهل إعادة الاستخدام والتدوير وإزالة الكربون. وأشار إلى أن أهداف السعودية في تحقيق أنظمة طاقة أكثر مرونة واستدامة ستدعم خطط البلاد للوصول إلى التنمية المستدامة والحفاظ عليها. ولفت إلى أن السعودية تقطع بالفعل خطوات متتالية في مجال تطوير منظومة الطاقة الخاصة بها التي يدور محورها حول مشروع الاقتصاد الدائري للكربون الذي يعزز من قدرات الاقتصاد السعودي، وقد تزامن هذا التوجه المتميز مع رئاسة السعودية أخيرا مجموعة العشرين التي كان أحد ملفاتها الحيوية هو الاقتصاد الكربوني الدائري. وذكر التقرير أنه يوجد مثال آخر رائع للاقتصاد الدائري للكربون في السعودية وهو تحلية مياه "نيوم" والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة، وهو ما سيحمي الحياة البحرية عن طريق منع المنتجات الثانوية الملحية الملقاة في البحر. وأشار إلى استخدام عملية التحلية التقليدية بعد تطويرها وتحديثها "من خلال استخدام تقنية تحلية المياه بدون تفريغ"، وهو ما يعزز جهود حماية البيئة باستخدام الطاقة المتجددة. وذكر أن القطاع الخاص في السعودية يلعب دورا مهما في عملية التحديث وحماية البيئة. ونوه التقرير بأهمية إطلاق الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" مشروعها المعروف بخريطة طريق الاستدامة الذي يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة مع تحديد الأهداف الطموحة المتعلقة بكفاءة الموارد وتغير المناخ والأمن الغذائي والبنية التحتية المستدامة والحفاظ على البيئة. وأضاف أن "سابك" أطلقت مبادرة تسلط الضوء على أهمية تعزيز الابتكارات من أجل إيجاد اقتصاد دائري للبلاستيك وهذه المبادرة تدعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة "الهدف الـ12" وقد بنيت على أربعة مبادئ رئيسة هي التصميم لإعادة التدوير، والمنتجات المعاد تدويرها ميكانيكيا، والمنتجات الدائرية المعتمدة، والمنتجات المتجددة المعتمدة". وأوضح أن السعودية تعتمد على دمج الأبعاد الأساسية للتنمية وهي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مشيرا إلى إقرار خطط التنمية المتتالية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في البلاد. وقال تقرير "يونيدو"، "إن السعودية أسهمت في تحقيق إنجازات اجتماعية واقتصادية وبيئية كبيرة، إضافة إلى مكاسب متوازنة ومستدامة، وهو ما يتضح من استمرار نمو اقتصاد البلاد بمعدلات عالية إلى جانب المناخ الملائم لدور القطاع الخاص والعمل المستمر على تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي". وأشار إلى أن رؤية السعودية 2030 تقوي وتشجع عمليات التنمية الشاملة بقوة وتتماشى مع خطة الأمم المتحدة لعام 2030 بشأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وذكر أن السعودية تؤمن بأن التعاون والشراكات العالمية أدوات قوية وفاعلة لتحقيق ذلك، مشيرا إلى أن السياسات السعودية تعمل على تحقيق الازدهار على المستويين الوطني والمحلي. وأوضح التقرير أن السعودية تسعى حثيثا إلى تعزيز شراكاتها مع دول العالم في عديد من المجالات الحيوية مثل الطاقة النظيفة وتحلية المياه وتعزيز النمو الاقتصادي. من جانبه، قال تقرير "كليمت تشانج" الدولي "إن إظهار الوحدة في قمة مجموعة العشرين التي ترأستها السعودية أخيرا أرسى الأساس لإحراز تقدم في المستقبل خاصة في ضوء تولي إدارة أمريكية برئاسة الرئيس جو بايدن، المنحاز إلى الطاقة المتجددة، كما سهلت السعودية المجال أمام القمم اللاحقة خاصة القمة التي تستضيفها إيطاليا في العام الجاري 2021". وأشار التقرير إلى أن أداء السعودية في ملف المناخ كان رائعا وجاء في الوقت الذي كانت فيه التوقعات لقمة مجموعة العشرين منخفضة للغاية، وأن هذه القمة تحت رئاسة السعودية أعادت بالفعل تأكيد الحاجة إلى عمل تعاوني لمواجهة أزمة المناخ. ولفت إلى أن السعودية قادت حالة من التغيير في طريقة التفكير حول كيفية إدراك القادة للحاجة إلى تحسين سياستهم المناخية في الفترة المقبلة. وذكر أن نهج الاقتصاد الدائري للكربون في السعودية لقي إشادة واسعة من اليابان والصين في قمة مجموعة العشرين إضافة إلى أستراليا والهند والولايات المتحدة وإيطاليا، مشيرا إلى أن السعودية اجتهدت كثيرا للحصول على هذا الإنجاز. من جانبه، ذكر تقرير لمعهد إكسفورد البريطاني لدراسات الطاقة، أن السعودية تلعب دورا رياديا مميزا في تعزيزالتعاون الدولي لتسريع وتطوير ونشر الاقتصاد الدائري للكربون. وأشار التقرير إلى أن انتقال الطاقة يعد ضروريا لتحقيق كل من الوصول الشامل إلى الطاقة وتلبية أهداف اتفاقية باريس، كما يتطلب مسارات تحتاج إلى الاعتماد على جميع الحلول الممكنة تقنيا وبأسعار معقولة اقتصاديا. ولفت إلى أهمية قبول مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون في مجموعة العشرين التي ترأستها السعودية كنهج شامل ومتكامل وعملي لإدارة الانبعاثات، ومع ذلك يتطلب تنفيذ المبادرة تعاونا دوليا واتفاقا حول كيفية مراقبة محتوى الكربون وتحديد كميته واعتماده وحسابه وتحفيز تقليل انبعاثات الكربون من الوقود الأحفوري. وأشار إلى أنه لمواجهة جميع هذه التحديات تم تقديم اقتراحات لخطط العمل في مجال المناخ تم قبولها من الرئاسة الإيطالية لمجموعة العشرين في 2021، مشددا على ضرورة دعم التعاون الدولي لتسريع التنمية ونشر الاقتصاد الدائري للكربون على نطاق دولي واسع. ولفت إلى وجود خطة عمل تتكون من ثلاث نقاط لزيادة التعاون الدولي والاتفاق حول كيفية مراقبة محتوى الكربون وتحديد كميته واعتماده وحسابه وتحفيز تقليل انبعاثات الكربون من الوقود الأحفوري. وشدد التقرير على أهمية تكثيف جميع الجهود اللازمة لتحويل القطاعات التي يصعب تخفيفها نحو تقليل الكربون وبلوغ مرحلة الحياد الكربوني. وفي سياق متصل، أكد محللون دوليون أن الاقتصاد الدائري للكربون أصبح يحتل أهمية كبرى ورئيسة في خطط التنمية في السعودية، لافتين إلى أنه يمنع فقدان الموارد الطبيعية القيمة ويوفر حلولا أكثر استدامة. ولفت المحللون إلى أن الاقتصاد الدائري للكربون هو سمة الاقتصادات الحديثة والمتطورة التي تأخذ سياسات المناخ في الحسبان بدرجة كبيرة، حيث تكون المنتجات قيد الاستخدام لفترة أطول، وتتم إعادة استخدام المواد لتصنيع منتجات جديدة مع خفض الانبعاثات الكربونية. من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، "إن العالم أمام نموذج اقتصادي متطور وسيسود في المستقبل"، مشيرا إلى أن السعودية قطعت خطوات مهمة في هذا الصدد وطرحت القضية بقوة خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي تولت رئاستها، وأدارتها بحكمة شديدة على الرغم من أزمة الوباء التي أثقلت كاهل اقتصادات العالم دون استثناء. وأشار إلى أن الأبحاث والدراسات الدولية تؤكد أن الاقتصاد الدائري للكربون هو نهج متكامل وشامل للانتقال نحو أنظمة طاقة أكثر شمولا ومرونة واستدامة وصديقة للمناخ، لافتا إلى أن المبادرة السعودية جاءت في توقيت دقيق ويعكس تقدير التحولات الدولية وسرعة التعامل معها والاستعداد لها بشكل جيد، حيث إن الاقتصادات القوية هي القائمة دائما على التنوع. بدوره، ذكر لـ"الاقتصادية" الدكتور فيليب ديبيش، رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس أعطت زخما للجهود الدولية لحماية المناخ، كما أن مبادرة الكربون الدائري في السعودية هي تحول مهم، خاصة بعد نجاح تصدر هذا الملف أعمال قمة العشرين الأخيرة. وأشار ديبيش إلى أن خفض انبعاثات الكربون وكفاءة إدارتها يلبي طموحات الإنسان في الوصول إلى مناخ آمن ونوعية حياة أفضل. وعدّ اهتمام السعودية له دلالة معينة من أكبر دولة منتجة للنفط الخام، كما أن منظمة أوبك حرصت دوما على تأكيد التزامها الكامل باتفاق باريس ودعم جهود الدول الأعضاء في رفع الكفاءة في هذه الصناعة الحيوية، مشيرا إلى أن الاقتصاد الدائري للكربون بجميع خيارات التخفيف من انبعاثات الكربون سيساعد دون شك على تحقيق الأهداف المناخية. من ناحيته، شدد ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة، على أهمية تكثيف جهود إزالة والتقاط الكربون الزائد وتخزينه، مشيرا إلى أهمية التحسب من استخدام الطاقة المكثف الذي يمكن تجنبه في الاقتصاد الدائري، من خلال برامج التدوير ورفع الكفاءة. ولفت إلى أن السيطرة على انبعاثات الكربون ستعطي دفعة حيوية وقبولا دوليا للاستثمار مجددا في الوقود الأحفوري، لأن موارد الطاقة المتجددة وعلى الرغم من تناميها السريع ما زالت لا تلبي جميع احتياجات المستهلكين خاصة في الاقتصادات الناشئة والنامية، موضحا أن الدراسات الدولية تشير إلى أن احتياطيات بعض الموارد الطبيعية آخذة في الانخفاض بالفعل، وستزداد المشكلة مع نمو سكان العالم ووصول الرخاء الاقتصادي إلى مزيد من الناس.
مشاركة :