تؤكد مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون أن المملكة لم تعد مستقبلًا للرؤى والأفكار التي تستورد من الخارج، والتي تجود بها المختبرات العلمية ومؤسسات الأبحاث الأكاديمية، وإنما أصبحت هي نفسها فاعلًا رئيسيًا في مجالات شتى، من أبرزها مجال الطاقة. وهناك شركات سعودية رائدة، مثل سابك وأرامكو، تعمل على طرح الرؤى والأفكار الجديدة والخلاقة، والتي تضمن للمملكة حيازة قصب السبق في المجالات ذات الصلة. وتتميز مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون، القائمة على تحويل الانبعاثات الكربونية إلى مواد أولية أو مُعاد تدويرها، ببناء نظام اقتصادي مستقل وقائم بذاته؛ من خلال الركائز الأربع لمفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، المتمثلة في (الخفض، إعادة الاستخدام، التدوير والإزالة). فلتدوير الكربون يتم استخلاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناشئة من العمليات التصنيعية وإعادة استخدامها؛ لإتمام دورة الكربون وإغلاقها. اقرأ أيضًا: مسرعة الأعمال «ديم سبيس» وتعزيز الريادة في المملكة طرح فكرة مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون والحق أن مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون طُرحت، بعدما تبنتها المملكة، في محافل دولية وعالمية شتى، ولعل أبرزها قمة قادة مجموعة العشرين 2020م في العاصمة الرياض؛ وذلك بهدف تأكيد دور المملكة الفاعل في مبادرات إدارة الانبعاثات والتحول إلى الطاقة النظيفة. ومنحت رئاسة المملكة لمجموعة العشرين الأولوية لإدارة انبعاثات الغازات، ضمن جدول أعمال مجموعة عمل ريادة المناخ للمجموعة؛ وذلك بهدف تكريس الاهتمام بتطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون؛ لتجاوز التحديات التي تواجهها بعض القطاعات في ضبط الانبعاثات، مع مراعاة الموارد والطموحات الاقتصادية والمناخية. ودعت المملكة دول العالم للتعاون في تبني مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون؛ من أجل الوصول إلى ما تطمح إليه الدول في مجال الحياد الكربوني المتوائم مع اتفاقية باريس للمناخ، والمتوافق مع الطموحات والتطلعات التنموية لكل دولة. اقرأ أيضًا: استخلاص انبعاثات الكربون.. وقاية العالم واستدامة الطاقة الاقتصاد الدائري للكربون وجهود سابك والحق أنه لا يمكن الحديث عن مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون من دون التطرق إلى الجهود الجمة التي تبذلها الشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك”؛ حيث تعمل على إضافة قيمة نوعية لجهود المملكة في قيادة دول العالم للحد من انبعاثات الكربون، وتعزيز الرؤية السعودية لمبادرة الاقتصاد الدائري للكربون. وتُعد “سابك” من أوائل شركات الكيماويات العالمية التي تطبق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون؛ من خلال استثمارها في إنشاء أكبر مصنع بالعالم لإعادة استخدام الكربون في تصنيع منتجات ذات قيمة عالية، المشيّد في شركة (المتحدة) التابعة لها بمدينة الجبيل الصناعية. وكان عام 2015م شاهدًا على افتتاح المصنع الذي يستخدم تقنية خاصة لاستخلاص وتنقية ما يصل إلى 500 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، الناتج عن تصنيع جلايكول الإيثيلين، ويتم ضخ ثاني أكسيد الكربون المنقّى عبر شبكة أنابيب لاستخدامه في إنتاج منتجات عظيمة الفائدة، إضافة إلى تلبية احتياجات قطاعات الزراعة والكيماويات والأغذية والمشروبات والصناعات الطبية وغيرها. ويُعتبر المصنع أكبر مشروع للاستدامة يُنفَّذ من خلال التعاون المشترك بين قطاع الأبحاث والمواقع التصنيعية في “سابك”؛ لتمكين المجمعات الصناعية القريبة من المشاركة والاستفادة؛ عبر بناء شبكة لنقل ثاني أكسيد الكربون النقي إلى مواقع الشركات التابعة؛ لاستخدامه في تصنيع منتجات متنوعة مثل: اليوريا، الميثانول الكيماوي، والهكسانول الإيثيلي وغيرها. ويساهم المشروع في تحقيق تحسن كبير في كفاءة استخدام الموارد، وفي الوقت ذاته يحد من كثافة الانبعاثات المصاحبة لعمليات التصنيع، علاوة على تحسين الأداء الاقتصادي، ويحفز توفير حلول مماثلة يمكنها المساعدة في بناء مستقبل مستدام لكوكب الأرض، إضافة إلى تعزيز العوائد الاقتصادية، وإثراء القيمة التي تقدمها “سابك”؛ من خلال رفع الطاقة الإنتاجية، باستخدام الكمية نفسها من المواد الخام. ويُعتبر الاقتصاد الدائري للكربون أحد أوجه استراتيجية الاستدامة في “سابك”، المستندة إلى القيم الأساسية للشركة وطموحاتها، ويمهد الطريق لتحقيق أهداف النمو الاقتصادي المنشودة مع مراعاة المتطلبات البيئية والاجتماعية. وتلتزم “سابك” باتباع نهج شامل تجاه الاستدامة؛ من خلال تعزيز كفاية استخدام الموارد، والاقتصاد الدائري، والأمن الغذائي، والابتكار، وحماية البيئة، بما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي تعدّ جزءًا أصيلًا من استراتيجيتها لعام 2025م. وتشارك “سابك” في العديد من التحالفات والمنظمات العالمية التي تعمل على صناعة تغيير شامل في جميع مراحل سلسلة القيمة؛ إيمانًا من الشركة بأن التحديات العالمية يُمكن حلها من خلال اتباع نهج التعاون والعمل المشترك؛ حيث تعد “سابك” عضوًا مؤسسًا للابتكار التعاوني لمنصة التقنيات منخفضة الانبعاثات الكربونية والمنشأ، تحت مظلة المنتدى الاقتصادي العالمي، وتستمر الشركة في العمل مع الأطراف الأخرى بمجال البتروكيماويات؛ لتوفير حلول مبتكرة تسهم في تقليل البصمة الكربونية لمنتجاتها. وتسعى “سابك” جاهدة إلى مواصلة إدارة التحديات للاقتصاد الدائري بحلول ناجحة تعزز اتجاهها نحو مستقبل مستدام، وتستمر الشركة، كذلك، في الابتكار وتنفيذ خطط عملها الخاصة بالاستدامة، وإظهار قوة وفوائد الاقتصاد الدائري بشكل عام، والاقتصاد الدائري للكربون بشكل خاص، لا سيما أن “سابك” عضو أساسي في البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون، الذي أطلقته حكومة المملكة العربية السعودية خلال رئاستها لمجموعة العشرين؛ بهدف ترسيخ وتسريع الجهود الحالية لتحقيق الاستدامة بأسلوب شامل. وتنظر “سابك” إلى الطاقة المتجددة بوصفها ركيزة من ركائز الاستدامة والاقتصاد الدائري للكربون، وتركز في هذا المجال على أهمية تنوع مزيج الطاقة، ودعم وتطوير التحول للاستفادة من الطاقة الكهروضوئية المستدامة لتشغيل المصانع البتروكيميائية، والإسهام في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتتطلع الشركة إلى اعتماد تشغيل عملياتها العالمية بمصادر للطاقة المتجددة؛ حيث تطمح إلى تركيب مرافق لتوليد الكهرباء، سواء عن طريق طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية لمواقعها حول العالم بحلول عام 2025م. وأطلقت سابك، على صعيد التوعية بأهمية تبني مبدأ الاقتصاد الدائري للكربون، في أواخر عام 2020م منتدى عالميًا متخصصًا رفيع المستوى؛ لمناقشة سبل تمكين الاقتصاد الدائري للكربون، وتسريع تطبيقه؛ من خلال تقنيات نوعية، ودور ممارسات الاقتصاد الدائري للكربون في مساعدة الشركات للوفاء بالمتطلبات المتنامية للمستثمرين والمجتمعات بشأن اعتماد معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية. اقرأ أيضًا: الأمن السيبراني في المملكة.. حماية الفضاءات الإلكترونية استخلاص انبعاثات الكربون وتدويره ويمكن القول إن مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون كانت رديفة لمبادرة أخرى أطلقتها أرامكو في وقت سابق، وهي تلك المبادرة التي تعمل على استخلاص انبعاثات الكربون والاستفادة منها. ويعتمد استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه على مجموعة من التقنيات التي تستخلص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إما من المصدر؛ لتحول دون دخول ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، أو من الهواء مباشرة، على أن يتم نقل تلك الانبعاثات وتخزينها في باطن الأرض، أو تحويلها إلى منتجات مفيدة. ويُعرف استخلاص انبعاثات الكربون بأنه عملية فصل وسحب ثاني أكسيد الكربون من غازات العوادم أو الغازات الناتجة عن إصلاح الغاز أو من المصادر الثابتة؛ وذلك باستخدام التقنيات المصنفة ضمن تقنيات ما قبل الاحتراق أو ما بعد الاحتراق أو الاحتراق الأوكسجيني. إن تقنيات استخلاص انبعاثات الكربون واستغلاله وتخزينه لها دور فعال في تمكين الاقتصاد القائم على تدوير الكربون، وهو إطار عمل يتم فيه معالجة انبعاثات الكربون والغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من خلال 4 مراحل: الحد من انبعاثات الكربون، وإعادة استخدامه وإعادة تدويره وعزله. هذه الدورة الدائرية هي ما تفعله الأرض منذ مليارات السنين، ومن خلال محاكاة هذا النهج؛ قد نساعد في استعادة توازن دورة الكربون، وتحقيق أكبر تأثير ممكن للمساعدة في خفض الانبعاثات الكربونية التي يواجهها العالم بدرجة كبيرة. اقرأ أيضًا: مدينة الملك سلمان للطاقة “سبارك” تضع الابتكار في صدارة أجندتها للاستدامة برنامج الجينوم السعودي.. عصر جديد للصحة برامج الإسكان في السعودية.. إمكانية التملك والبناء المستدام
مشاركة :