رفضت مصر ما اعتبرته محاولة إثيوبية لـ«بسط السيادة» أو «السعي لاحتكار»، مياه نهر النيل، مؤكدة أن تصريحات مسؤولي أديس أبابا الأخيرة، بخصوص «سد النهضة»، تكشف مجدداً عن نية إثيوبيا «فرض الأمر الواقع» على دولتي المصب. وتدشن إثيوبيا سد النهضة العملاق على الرافد الرئيسي لنهر النيل، بهدف توليد الطاقة الكهربائية، منذ عام 2011، وتتخوف القاهرة والخرطوم من تأثيره المتوقع على حصتيهما المائية. وأحيت الحكومة الإثيوبية، أول من أمس، الذكرى العاشرة لبدء بناء السد، عبر ندوة أعلن خلالها نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، أن نسبة البناء بلغت 79 في المائة. فيما أكد وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي أن المرحلة الثانية لملء خزان السد، سوف تتم خلال موسم الأمطار المقبل دون تأجيل، رافضاً ربط العملية بالوصول لاتفاق مع مصر والسودان. وفي تعقيب على تصريحات وزيري الخارجية والري الإثيوبيين، قال السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أمس، إن هذه التصريحات التي أكدت اعتزام إثيوبيا استكمال ملء سد النهضة حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، تكشف مجدداً عن «نية إثيوبيا ورغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب، وهو أمر ترفضه مصر لما يمثله من تهديد لمصالح الشعبين المصري والسوداني ولتأثير مثل هذه الإجراءات الأحادية على الأمن والاستقرار في المنطقة». وأضاف المتحدث الرسمي، في بيان صحافي، أنه «من المؤسف أن المسؤولين الإثيوبيين يستخدمون لغة السيادة في أحاديثهم عن استغلال موارد نهر عابر للحدود»، مشيرا إلى أن «الأنهار الدولية هي ملكية مشتركة للدول المُشاطئة لها ولا يجوز بسط السيادة عليها أو السعي لاحتكارها، بل يتعين أن توظف هذه الموارد الطبيعية لخدمة شعوب الدول التي تتقاسمها على أساس قواعد القانون الدولي وأهمها مبادئ التعاون والإنصاف وعدم الإضرار».واعتبرت مصر موقف إثيوبيا تقويضا لجهود استئناف المفاوضات، وقال بيان الخارجية المصرية، إن التصريحات الإثيوبية «صدرت في وقت تبذل فيه جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تولت رئاسة الاتحاد الأفريقي، مجهودات مقدرة لإعادة إطلاق مسار المفاوضات والتوصل لاتفاق قبل موسم الفيضان المقبل، وهو ما يعكس غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإثيوبي للتفاوض من أجل التوصل لتسوية لأزمة سد النهضة». وتطالب القاهرة والخرطوم أديس أبابا باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد، بما يحفظ «حقوقهما المائية»، بينما ترفض أديس أبابا الالتزام بأي اتفاق «يحد من قدرتها على التنمية في مواردها»، على حد زعمها. وتتفاوض الدول الثلاث، منذ نحو 10 سنوات، للوصول إلى اتفاق، لكنها أخفقت في الوصول لحل يرضي جميع الأطراف. واقترح السودان مطلع الشهر الحالي، استئناف المفاوضات تحت مظلة «وساطة رباعية»، تشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب الاتحاد الأفريقي، الذي يرعى المفاوضات منذ عدة أشهر دون نتيجة. وهو مقترح قوبل بتأييد مصري واسع، ورفض إثيوبي.وقال المتحدث المصري إن «مصر والسودان أكدا أهمية الانخراط النشط للمجتمع الدولي في مفاوضات تقودها وتُسَيرُها جمهورية الكونغو الديمقراطية من خلال رباعية دولية تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لضمان فاعلية العملية التفاوضية ولدفع الدول الثلاث ومعاونتها على التوصل لاتفاق على سد النهضة خلال الأشهر المقبلة».وفي إطار جهودها لخلق زخم دولي تجاه القضية، قال السفير محمد إدريس مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، مساء أول من أمس، إنه تزامناً مع انعقاد اجتماع الأمم المتحدة رفيع المستوى حول المياه، قادت البعثة المصرية في نيويورك، بالتعاون مع بعثات عدد من الدول الصديقة، تحركاً على مدار الفترة الماضية لتشكيل مجموعة نواة ضمت 17 دولة ممثلة عن مختلف الأقاليم الجغرافية في الأمم المتحدة لصياغة بيان عابر للأقاليم يضع رؤية دولية واضحة إزاء قضايا المياه، ثم تمت دعوة العضوية العامة للأمم المتحدة للانضمام له، وتقديمه إلى سكرتير عام الأمم المتحدة. وأسفرت التحركات الدبلوماسية المصرية عن توقيع أكثر من 155 دولة على البيان. ويؤكد البيان محددات الموقف المصري من قضايا المياه، وأن المياه مسألة حياة وقضية وجود، وركّز على أزمة شُح وندرة المياه وآثارها العميقة على دول النُدرة المائية والحاجة لاتخاذ تدابير عاجلة لدعم هذه الدول، وتطرق البيان إلى حتمية التعاون العابر للحدود اتصالاً بالمجاري المائية، وضرورة توفّر الإرادة السياسية لتحقيق ذلك، وإعمال جهود الوساطة ومفاوضات المياه الفعّالة لتلافي النزاعات وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
مشاركة :