تواكب «الاتحاد» فضاءات الروايات المرشحة للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في نسختها الرابعة عشرة للعام 2021، التي تعتبر من أهم الجوائز الأدبية المرموقة في العالم العربي، وتدار بالشراكة مع مؤسسة «بوكر» في لندن، وبدعم من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، وتهدف إلى مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر، ورفع مستوى الوعي والإقبال على قراءة هذا الأدب عالمياً من خلال ترجمة الروايات التي تصل إلى القائمة القصيرة إلى لغات رئيسة، وقد كسبت ثقة القراء والنقاد والناشرين العرب والأجانب منذ إطلاقها عام 2007، وتدل القارئ إلى أعمال عربية جديدة ونوعية سواء للكتاب المخضرمين أو الشباب، وتسلّط القراءات التي نقدمها في إطار تطبيقي، المزيد من الأنوار الكاشفة على الأعمال الأدبية الجديدة والاستثنائية في ناحية الصياغة وتناول القضايا الملحة، لإثارة اهتمام القارئ العربي بالأدب الرفيع. يقول الروائي والمدوّن والمترجم المغربي الشّاب عبد المجيد سباطة (الرباط 1989) عن روايته «الملف 42» المرشحة للقائمة الطويلة لـ«البوكر» العربية 2021، والصادرة عن المركز الثقافي العربي: «تنتصر الرواية بالدرجة الأولى للمهمشين، ممن اعتادوا على التّجاهل والنّسيان، فتطرح سؤال القيمة والكرامة الإنسانية من خلال كارثة مروّعة ومنسية –أو أُريد لها أن تُنسى– كانت لها أبعادها وتأثيرها العميق في تاريخ المغرب الحديث، كما تقدّم محاولة لكتابة عمل أدبي بتقنيات وأساليب سردية جديدة تقرّب القارئ من هموم الكاتب العربي وبعض أسرار مطبخ الكتابة». نعتقد أن هذا الكلام من أفضل المفاتيح للدخول إلى عوالم هذه الرواية الجدلية، التي تتشابك فيها الخيوط مثلما تتشابك خيوط تاريخ المغرب الحديث، يقفز فيه سباطة بين أكثر من بلد، كي تصل الشخصيات في النّهاية إلى محصّلة، أن لا خلاص من الألم سوى بالكتابة، لا بالنّسيان، فالمتن السّردي في أصله (تدور الأحداث بين 2002 و2019) يستند على واقعة مفجعة تمثلت في كارثة الزّيوت المسمومة بضواحي مدينة مكناس أواخر خمسينيات القرن الماضي، ما تسبّب في شلل وموت آلاف المغاربة، ربطها الكاتب وبحذق بديع بالرّاهن المعاش، وملامسة كبريات الأحداث التي عرفها هذا البلد الجميل المتربع على ضفاف الأطلسي، وتجعل من السياسة مادة سردية، تعلّق على التفاصيل وتسعى إلى تحليل الجزئيات، بدون أن يتخذ الكاتب موقفاً أو رأياً، بل يقف في الحياد، ملاحظاً لاذعاً لكل ما يجري، تحت مظلة مصطلح «المعادل الموضوعي»، أحد أهم المصطلحات النّقدية الحديثة، قدّمه الشاعر والنّاقد الانجليزي ت إس. إليوت (1888 – 1965) ربما تكون أهم لعبة سردية استثمرها سباطة في هذا العمل النّوعي، ما تمثل في استخدامه لثيمة «الإسقاط الأدبي»، من خلال ثلاث قصص جمعها في روايته، على غرار مفهوم «المسرح داخل مسرح»، لكي يصل إلى غرضه الفني، القصة الأولى بطلتها الروائية الأميركية كريستين، التي جاءت إلى المغرب لإنجاز تحقيق ذي طابع أدبي، وهو الذي يقودها إلى كشف خيوط كارثة الزيوت المسمومة، والثانية التي تحكي عن اغتصاب زهير بلقاسم للغالية خادمة المنزل، وهي قضية ستسعى والدته المحامية إلى طيّها، وسترسل ابنها الذي لا يكلّ من لعق الملذات إلى روسيا لمواصلة دراسته، والثالثة فهي قصة الروائي نفسه، الذي يستثمر هذه الشخصيات بتناقضاتها وحكاياتها المتداخلة، لكي يتمّمّ نص «الملف 42» الذي استغرق منه عامين من البحث والكتابة المضنية، يحمل بين دفتيه بانوراما عن تعدد المغرب وتناقضاته، بما في ذلك معاناة الكاتب، حيث نجد من بين ضحايا الزيوت المسمومة كاتباً ابتكر له المؤلف حكاية بعنوان «أحجية مغربية» بكتابة يمكن أن ندرجها ضمن أدب ما بعد الحداثة، من ناحية بنائها السردي المتقن، الذي تمثل في خرق شرط البطل النموذجي في الرواية العربية، حيث تبنّى مفردة «الراوي المجهول» وهي تقنية جديدة تحسب له برؤية فلسفية زاخرة بكم كبير من الأحداث والتفاصيل والتداخلات من الصور الفنية.
مشاركة :