استراتيجية الرياض.. تنويع مصادر الدخل ونمو الاقتصاد

  • 3/21/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بينما تترقب الأوساط الاقتصادية والاجتماعية إعلان تفاصيل استراتيجية مدينة الرياض التي كشف عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله-، يطرح خبراء ومتخصصون مقترحات حول أهمية تطوير المدن الصغيرة والمتوسطة التي تحيط بالعاصمة، لتكون معاضدة لهذا التوجه الجديد. وجاءت رؤية ولي العهد حول مدينة الرياض باعتبارها تتمتع بميزات خاصة جداً، حيث ستكون الاستراتيجية جزءا من خطط تنويع مصادر الدخل ونمو الاقتصاد في المملكة، وقال سموه: "كل الخصائص التي تمتلكها الرياض تعطي ممكّنات لخلق وظائف ونمو في الاقتصاد واستثمارات، بالإضافة إلى العديد من الفرص، لذلك ننظر للرياض بعين الاعتبار"، مضيفاً: "نستهدف أن تكون الرياض من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم، اليوم هي رقم أربعين، من أكبر أربعين اقتصاد في العالم كمدينة، نستهدف في الرياض أن نصل من 7.5 ملايين نسمة إلى ما بين 15 و20 مليون نسمة في 2030م"، مبيناً أن المدن تشكل 85 % من اقتصاد العالم، لذلك التنمية الحقيقية تبدأ من المدن سواء في الصناعة أو الابتكار أو التعليم أو الخدمات أو السياحة وغيرها من القطاعات. وأضاف: "اليوم مدينة الرياض تشكل ما يقارب 50 % من الاقتصاد غير النفطي في المملكة، تكلفة خلق الوظيفة فيها أقل بـ 30 % من بقية المدن، وتكلفة تطوير البُنى التحتية والتطوير العقاري فيها أقل بـ 29 % من بقية مدن المملكة، والبنية التحتية في الرياض رائعة جداً بسبب ما قام به الملك سلمان فيما يزيد على 55 سنة بإدارة مدينة الرياض والتخطيط لها". وبحسب تصريح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تخطط المملكة لإقامة برنامج "الرياض الخضراء" لتشجير ملايين الأشجار في المدينة، ما سيقلل من درجة الحرارة وكذلك مستوى الغبار، وهناك خطط أيضاً لإنشاء محميات ضخمة حوالي مدينة الرياض لتحسين الوضع البيئي للمدينة. فرق جوهري ومن هنا تنبع أهمية المدن المتوسطة والصغيرة في الفترة الحالية من دورها كوسيط بين المدن الكبرى والريف، إلاّ أن الأكاديميين والمفكّرين خاصة في الشرق الأوسط لم يولوها سوى القليل من الاهتمام، هذه الفجوة المعرفية في فهم البنية العمرانية للتنمية سببت انعكاساً سلبياً يظهر في غياب الدور الإيجابي الذي يمكن أن تحققه المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم في تحقيق الاستراتيجية العمرانية الوطنية ومواجهة التحديات التي تشهدها مدننا المزدحمة بسبب ظاهرة الهيمنة الحضرية للمدن الكبرى. "الرياض" تسلط الضوء على دور المدن الصغيرة والمتوسطة من خلال مختصين في مجال التخطيط الحضري والعمران والمشروعات، حيث اتفق المشاركون على أنه قبل أن نتحدث عن المكتسبات التي تحققها المدن المتوسطة لمواطنيها وللمدن الكبرى المحيطة بها، يجب أولاً أن نحدد الفرق الجوهري بين المدينة الصغيرة والمدينة الكبرى -أو المليونية-. والفرق الجوهري يكمن في "المقياس العمراني" الذي عندما يتغير إمّا تمدداً أو تقلصاً يرسل سيلاً متواتراً ومعقداً من التغيرات المكانية والاقتصادية والسكانية التي تصبغ كل مدينة بشخصيتها المحددة، قد تتمثل هذه الشخصية لساكن المدينة أو زائرها على شكل انطباعات بسيطة مثل مدينة جميلة أو قبيحة، أو مزدحمة، أو مريحة، أو متعبة، أو مكلفة وغير ذلك من الأوصاف التي توصف بها المدن. نظام خاص وقال م. عبدالعزيز الرشيد -متخصص في المشروعات والبناء والتنمية المدنية-: "إننا كثيراً ما نجد من الأنظمة المختصة باشتراطات البناء وحدود الارتفاعات والطرق للمدن الكبيرة، أمّا ما يخص المدن الصغيرة فنجد ضعفا في المستوى التصميمي، وكذلك سوءا في التخطيط العمراني، بل لا نرى أي إبداع مع عدم التزام بالمعايير سواء للشوارع أو المواقف مع سوء التنفيذ -حسب قوله-، ونجد المسيطر على الوضع هو التخطيط والتطوير الفردي واجتهادات مكاتب غير مؤهلة في التصميم والإشراف والتخطيط العمراني"، مستشهداً بما نشاهده على أرض الواقع داخل المدن الصغيرة من محلات تجارية منتشرة بشكل عشوائي، مشدداً على إيجاد نظام بناء خاص للمدن الصغيرة والمحال التجارية يرتقي بمستوى التصميم والتخطيط للأحياء الجديدة فيها، مع إعادة تأهيل وتطوير القائم منها ما ينعكس إيجاباً على خصوصية وراحة الساكنين وراغبي السكن أو الاستجمام خلال الاجازات، وتقليص الحركة المرورية وإيقاف البناء العشوائي، وبهذا تتحدد المناطق التجارية والصناعية ومنطقة الخدمات داخل المدن الصغيرة، وعلى سبيل المثال الشوارع يجب أن تكون داخلية محلية حتى وإن كانت بعرض 35 مترا، وأن تصمم على مسارين -حارتين- للسيارات فقط، وباقي عرض الشارع مواقف وممرات مشاة وأرصفة وتشجير، وتكون منطقة الخدمات داخل المدينة، والمناطق الصناعية والتجارية على أطراف المدينة، لنحقق بذلك مدنا صغيرة وهادئة وآمنة تقلل من الحركة المرورية المزعجة. توفّر مناخاً متوازناً للسكن وانضباطاً لتكلفة المعيشة وسهولة للحركة والتنقل مقياس منضبط وأوضح م. عاطف الشهري -معماري وباحث في العمران- أن المقياس المنضبط للمدن الصغيرة والمتوسطة من حيث الرقعة العمرانية والكثافة السكانية يؤدي إلى العديد من الميزات المادية والمعنوية التي لا يمكن أن توجد في المدن الكبرى، وأوّلها إمكانية تشكيل حيز عمراني عام من دون ضغوط الاكتظاظ الزائد أو التمدد العمراني غير المحدود، مضيفاً أن المدن الصغيرة والمتوسطة أيضا توفّر مناخاً متوازناً للسكن الميسر لأنها لا تعاني من موجات التكدس السكاني وما يتبعه من تقلبات سوق الإسكان، لافتاً إلى أن هذا المناخ المتوازن ينسحب أيضاً على انضباط تكلفة المعيشة وسهولة الحركة والتنقل وعلاقة متوازنة مع البيئة الطبيعية المحيطة من ناحية الحوكمة والإدارة المحلية تبين التجربة، والواقع أن فعالية الأداء وسرعة اتخاذ القرارات تتناسب عكسياً مع حجم المدينة، ولنا في ظاهرة العشوائيات في المدن الكبرى عبرة، لافتاً إلى أنه فيما يتعلق بفوائدها لسكان المدن الكبرى المحيطة، فهي تؤدي أدوارا داعمة كمركز إنتاج رئيس لخدمات المدن الكبرى، كما تساهم أيضاً في الحفاظ على القيم الاجتماعية التي يمكن أن تختفي تدريجياً مع توسع المدن الكبيرة وزيادة سكانها. ميزة تنافسية وحول تأسيس علاقة متوازنة بين المدن من مختلف الأحجام، أكد م. الشهري أنه ينبغي ألاّ يغيب عن ناظرنا الميزة التنافسية التي تتمتع بها المدن الصغيرة والمتوسطة، وهي المقياس الإنساني الذي يحكم شكلها العمراني، وهذا يعني أن نتجنب التقليد الأعمى ومحاولة اللحاق بالمدن الكبيرة؛ لأن هذا سيرٌ في الاتجاه الخطأ، مبيناً أنه عوضاً عن ذلك من الأجدر تشجيع التنمية حول وسط المدينة لا على أطرافها للحفاظ على مقياسها وكثافتها، ومن المهم كذلك الحفاظ على العناصر التي تصبغ المكان بشخصيته الفريدة مثل قيم وجمالية المدن ونمطها العمراني المتميز، وعدم المساومة في الحفاظ على الأصول الأساسية، والتي عادة ما تكون موارد بيئية، ومناظر طبيعية جذابة، وتراثا عمرانيا. تلافي الأخطاء وذكر م. عبدالرحمن الصايل -ماجستير التخطيط الحضري المستدام وباحث دكتوراه في تخطيط المدن- أنه في ضوء هذه المزايا، فإن احتمال نجاح سياسات الاستراتيجية العمرانية الوطنية كبير للغاية، وكذلك استراتيجيات المناطق المعلن عنها حديثاً، بشرط أن يتوازى ذلك مع سياسة إدارة التنمية من أجل الاستفادة من أدوار المدن الصغيرة والمتوسطة في مساعدة المدن الكبرى على دعم اقتصاداتها ومعالجة المشكلات المترتبة من ظاهرة الهيمنة الحضرية التي تتمثل في استئثار المدن الكبرى بفوائد التنمية الحضرية، وما يتبع ذلك من قسمةٍ غير عادلة -حسب قوله- للموارد الوطنية وأهمّها الإنسان الذي ترسخ لديه شعور أن تحقيق أحلامه في عيش كريم ومستقبل مشرق مقرونٌ فقط بالهجرة إلى إحدى المدن الكبرى، مؤكداً على أنه من أجل تفادي هذا الخلل الواضح أصبح من اللازم علينا ألاّ نضيّع الفرصة في تفعيل دور المدن الصغيرة والمتوسطة القائمة كمكون مفصلي في النظام الحضري المستقبلي على المستوى الوطني، مستدركاً أنه قبل ذلك يجب تلافي الأخطاء التخطيطية على مدى العقود الماضية التي أخرجت هذه المدن من دائرة المنافسة، وعليه فحالياً يجب البدء في بناء الجاذبية الاستثمارية للمدن الصغيرة والمتوسطة من خلال تطوير وسائل النقل الفعّالة وعناصر البنية التحتية الأخرى وتحسين جودة الحياة فيها، وتعزيز استقلال الإدارة المحلية مع البعد عن المركزية في الإدارة ودعم مؤسسات المجتمع المدني، مُشدداً على دعم وتعزيز القاعدة الاقتصادية والاجتماعية لهذه المدن، حيث إنه حاسم في زيادة جاذبيتها الاستثمارية وتعزيز روابطها وتكاملها مع المناطق الحضرية الكبرى. م. عبدالعزيز الرشيد م. عاطف الشهري م. عبدالرحمن الصايل

مشاركة :