في الماضى كان من الممكن أن تغني تعاطفـا مع أهل الفن وتجد أيضًا من يردد وراءك "عيني علينا يا أهل الفن يا عيني علينا".هذا المونولوج له قصة، فى نهاية الأربعينيات أراد إسماعيل ياسين السخرية من تعبير كان ولا يزال شائعًا "أغنياء الحرب"، في كل الدنيا هناك من يستثمر مصائب الناس، وتحديدا عندما يُصبح مصابًا جماعيًا مثل الحروب وتوابعها من دمار وتشريد، وهكذا غنى سُمعة للشعب الذى يدفع الثمن «عينى علينا يا فقرا الحرب يا عيني علينا/ عدى الحرب ولسه الكرب بيلعب بينا"، ملحوظة ليس لدىّ يقين من هو الشاعر ولكن غالبًا"ابن الليل". كان من الممكن التعامل مع تلك الكلمات ببساطة، إلا أن مع نهايات الحرب بزغ التوجه الشيوعى الذى كان يتزعمه «الاتحاد السوفيتى» سابقا قبل أن يُسمى"روسيا" بعد تحلله إلى عدة دول عام 91، كان الخوف القائم لدى المعسكر الغربى وعلى رأسه أمريكا هو الفكر الشيوعى الذى سيطر على المشهد العالمي، مواكبًا للحرب الباردة بين الكتلتين، وأصبح هناك ما يعرف بـ "المكارثية" نسبة إلى عضو مجلس نواب أمريكي جوزيف مكارثى، كان يحاسب الناس على ما يعتقد أنها ميولهم الدفينة، وهكذا مثلاً لاحق الاتهام بالشيوعية أيقونة الكوميديا في العالم- ولا يزال- شارلى شابلن، والغريب أن الوشاة كانوا أيضًا فنانين، وبعضهم لا يمكن إنكار موهبتهم مثل المخرج إيليا كازان، الذى اعترف بعد إسقاط المكارثية، أنه كان مضطرًا تحت ضغوط الأجهزة لأداء هذا الدور، ولكن الناس لم تنس، ولهذا فى مطلع الألفية الثالثة، وعندما قررت أكاديمية العلوم والفنون التى تنظم مسابقة "الأوسكار" منحه شهادة تذكارية عن مشواره، تعالت هتافات الرفض ضده من القاعة، رغم أنه كان قد تجاوز التسعين من عمره.مثل هذه الاتهامات لا حقت الكثيرين فى مصر، آخر ما يمكن أن توجه له هو إسماعيل ياسين، من الواضح أن إدارة الرقابة التى كانت تابعة وقتها لوزارة الداخلية، اعتبرته يدعو للشيوعية لأنه يناصر الفقراء ضد الأغنياء، ملحوظة الرقابة الآن، تحكمها أحيانًا تلك النظرة المتحفظة والمتحفزة والتى بدأت تعلن عن نفسها منذ فيلم "العزيمة" لكمال سليم نهاية الثلاثينيات، حيث أصرت على تغيير اسمه الأول "الحارة" لأنها رأت فى العنوان انحيازا للطبقة الفقيرة.الرقيب محاط بعشرات من الأجهزة، وربما مع مرور الزمن نكتشف أنه كان يحاول أن يجد ثغرة ما للعرض، ووجوده لعب دورا إيجابيا فى السماح قبل المنع.دعونا نضع نقطة ومن أول السطر، ونفكر معا كيف يتهم «سُمعة» بالشيوعية رغم أنه لا يمكن أن يعرف الفارق أساسا بين الشيعى والشيوعى، هذه هى شريعة الأجهزة عندما تأخذ بظاهر الأمور، يغنى من أجل الفقراء فهو إذن يكره الأثرياء ويدعو للثورة، ماذا فعل سُمعة؟.. أعاد بعد سنوات قليلة تقديم المونولوج بكلمات أخرى "عيني علينا يا أهل الفن يا عيني علينا".. نعم عينى عليهم وعلينا، وقتها من الممكن أن تلحظ تعاطفا ما مع الفنانين، على عكس هذا الزمن.. تلاشى تماما أى إمكانية لخلق أي قدر من التعاطف، الصورة الذهنية للفنان فى الضمير الجمعى ليست أبدًا في صالحه وتلك حكاية أخرى!!.[email protected]
مشاركة :