عند مدخل بيروت الشمالي، يتراءى للمارة مشهد يفوق الخيال: جبل نفايات يرتفع بضعة أمتار ويختلط فيه الخبز العفن والأطعمة المهترئة والأكياس التي تنبعث منها روائح مثيرة للغثيان. جبل النفايات هذا او جبل الكرنتينا هو اكبر المكبات العشوائية التي اعتمدت كحل مؤقت لازمة نفايات مستمرة منذ شهرين في بيروت ومحافظة جبل لبنان، ما أشعل حركة احتجاجية لا سابق لها ضد الطبقة السياسية شارك فيها الاف اللبنانيين. وبلغت قدرة مكب الكرنتينا على استيعاب النفايات أقصاها، ما دفع شركة سوكلين المكلفة برفع النفايات الاثنين إلى إعلان توقفها عن العمل في بيروت الإدارية. وعادت النفايات للتكدس مجددا عند إطراف الشوارع في أحياء العاصمة السكنية. ويقول علي يعقوب (37 عاما) وهو سائق شاحنة يعمل لدى شركة محاذية لمكب الكرنتينا الوضع لم يعد يطاق. أقضي هنا حوالي ست ساعات يوميا بين الروائح والحشرات. وعلى بعد أمتار مما يعرف الآن بـجبل الزبالة، يتناول علي مع ثلاثة من زملائه الفطور حول طاولة بلاستيكية وهم يحاولون أبعاد الذباب من حولهم. ونتجت أزمة النفايات بشكل أساسي عن إقفال مطمر الناعمة جنوب بيروت في 17 تموز/يوليو في غياب حلول بديلة عنه. وأعلنت الحكومة في العاشر من أيلول/سبتمبر خطة لحل الأزمة، إلا إنها لاقت رفض سكان المناطق، التي من المفترض أن تعتمد فيها المطامر، وناشطي المجتمع المدني. ولا يعرف حتى الآن إذا كانت الحكومة ستباشر بتطبيق خطتها في ظل هذا الاعتراض. في منطقة الكرنتينا الصناعية القريبة من أماكن السهر المعروفة في بيروت كالجميزة ومار ميخائيل، يتجمع عمال خارج شركة محاذية للمكب ويروون ما يشاهدونه يوميا من تراكم لنفايات تنتشر بينها جرذان كبيرة ميتة. ويشكو احد مسؤولي العمال رافضا الكشف عن اسمه من الوضع قائلا تخدرت بالكامل، لقد فقدت حاسة الشم، مشيرا إلى معاناة العمال من عوارض التقيؤ والإسهال وأوجاع المعدة. ويشرح الخبير البيئي زياد ابي شاكر لوكالة فرانس برس ان الروائح الكريهة ناتجة عن التخمر اللاهوائي للمواد العضوية، ما يؤدي الى تكاثر البكتيريا التي تسبب إصابات بالإسهال وأحيانا طفرات جلدية. ويحذر من تأزم الوضع الصحي وتفاقم الإمراض اذا طالت الأزمة. ولا تقتصر هذه الكارثة البيئية على الكرنتينا فحسب. على جانبي الطريق بين بيروت وجونيه (شمال العاصمة)، تتكدس أكوام من الأكياس البلاستيكية الزرقاء والسوداء اللون بالقرب من المجمعات السياحية بانتظار نقلها إلى مكبات عشوائية وضع بعضها تحت الجسور وأخرى على الشواطئ. وبدلا من ان تمر السيارات من تحت جسر جونيه من دون عوائق تجد نفسها مضطرة للاستدارة حول جبل من النفايات يحتاج غالى أمتار قليلة ليبلغ علو الجسر. وفي منطقة الدورة التي تضيق بالمارة والسيارات، قتل مواطن الأسبوع الماضي بعد ان صدمته سيارة إثناء اجتيازه للطريق السريع، لعدم تمكنه من الصعود إلى جسر المشاة بسبب تراكم النفايات التي سدت الدرج المؤدي إليه. واختارت بعض بلديات جبل لبنان الشاطئ لرمي نفاياتها. ويقول نعمة الله بواري، مدير محطة وقود على طريق ضبية الساحلي وضعوا النفايات بالقوة هنا في شارع مليء بالشركات والمكاتب () لا يمكننا الوقوف في الخارج. ومع اقتراب موسم الشتاء والعواصف، يخشى أن تنجرف الأكياس إلى البحر في غياب الإجراءات اللازمة. وقرعت وزارة الصحة الثلاثاء جرس الإنذار محذرة من تلوث التربة وفيضان قنوات المياه في الأشهر المقبلة. ورغم تحذيرات الوزارة، يلجأ بعض المواطنين إلى حرق النفايات أو رشها بالمبيدات. ومع استمرار الأزمة، تتواصل التحركات الاحتجاجية في الشارع، لا سيما من قبل مجموعات المجتمع المدني. ويشدد اسعد ذبيان، من مجموعة طلعت ريحتكم الأبرز في الحراك المدني، على رفض الناشطين خطة الحكومة في مرحلتها المؤقتة والتي تعتمد على المطامر. ويؤكد التضامن مع أهالي المناطق طالما إنهم يرفضون المطامر، مطالبا الحكومة بوضع خطة بديلة. وافرغ ناشطون حاوية من النفايات أمام وزارة البيئة في وسط بيروت والتي اقتحمها عشرات الشبان والشابات في الأول من أيلول/سبتمبر مطالبين باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق. وتنفذ مجموعة من الناشطين إضرابا عن الطعام أمام الوزارة حتى تحقيق هذا المطلب. ويعتبر أبي شاكر أن القضية أصبحت أخلاقية، فلا يمكن وضع نفايات البعض عند آخرين، في إشارة إلى اقتراح المطامر. ويدعو إلى خطة تجبر المواطنين على الفرز من المصدر، علما أن بيروت الإدارية تنتج حوالي 600 طن يوميا، بحسب قوله. وفي حين أن الخطة الحكومية على المدى الطويل تسلم البلديات إدارة النفايات إلا إنها لم تقر بعد الأموال اللازمة لها للقيام بعملها. يبتسم علي يعقوب بسخرية حين سؤاله عن الحل، ويقول حتى لو عمت التظاهرات فليس هناك من يسمع، فهم (السياسيون) لديهم حلول أليسوا القيمين على الدولة؟ هل تقع المسؤولية على عاتق الشعب؟. ويضيف أليس لدى دول العالم نفايات؟ المشكلة لدينا فيهم (السياسيين) وليس في البلد.
مشاركة :