ما أحلى الرجوع إليها

  • 3/27/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

العالم يتغير من حولنا فيما كورونا لا زال يحاصرنا. دولٌ تخلَّفت عن الركب وكأنها سفينة في عرض البحر تلاطمها الأمواج من كل حدب وصوب وتنتظر معجزة توصلها إلى بر الأمان بعد أن أنهك المرض والجوع من عليها، ودولٌ أخرى قبض قادتها على مقود السفينة بقوة، قرروا المواجهة وحددوا الاتجاه، وها هم الآن في الأمتار الأخيرة من سباق ليس تجاوز الجائحة فقط، بل الخروج منها أقوى. رأيت ذلك خلال رحلتي الأسبوع الماضي إلى دبي بعد نحو عام لم أغادر خلاله البحرين التزامًا بالإجراءات الاحترازية التي تدعو للحد من السفر إلا للضرورة القصوى. بدأت رحلتي وانتهت طبعًا عبر مطار البحرين الدولي الجديد، وكم شعرت بالسعادة عندما رأيت هذا المَعلَم السياحي الحضاري الجديد لأول مرة على أرض الواقع، وكم شعرت بالإعجاب تجاه قدرة «فريق البحرين» على تنفيذه بهذا الكمال رغم تحديات الجائحة، وبالكوادر البحرينية العاملة فيه. أنهيت إجراءات السفر بسلاسة وسهولة، وفي غضون أقل من ساعتين كنت في دبي بالإمارات العربية المتحدة، البلد الآخر الذي أحب، يملؤني شغف استكشاف حال الناس والأعمال في هذا البلد في ظل جائحة كورونا، خاصة وأن الأخبار كانت تأتيني على مدار العام الماضي متضاربة، فمنهم من يقول إن التحديات كبيرة في إمارة يعتمد اقتصادها بشكل شبه كامل على قطاع السياحة والفعاليات الذي تضرر كثيرًا بسبب كورونا، ومنهم من يقول إن الأوضاع تأثرت بلا شك لكن الاقتصاد صامد، بل ويحمل بوادر نمو كبيرة مرتقبة. وخلال وجودي هناك تأكدت بنفسي أن دبي، وكما استطاعت تخطي أزمات سابقة مثل الأزمة المالية العالمية في العام 2008، ستتخطى بلا شك أزمة الجائحة رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، رأيت سباحًا ماهرًا يقول لنفسه وللجميع: أنا الآن في خضم أمواج عاتية، لكن ثقوا تمامًا بأنني لن أغرق. سمعت الكثير من أحاديث المواطنين والمقيمين هناك، أكثرها متخوف، خاصة العاملين في قطاعات مثل التجزئة والسفر والترفيه والمجالات الرديفة لها، بينما البعض كان أكثر وعيًا وجرأة، وتحدث حول الفرص الهائلة التي ستنشأ بعد الجائحة، تمامًا كما حصل في أزمة العام 2008. صدمت عندما أخبرني صديق لي أن حجز سكنًا في فندق بدبي بسعر أكثر ضعفين من السعر المعتاد قبل عام أو عامين، وعندما سألته عن السبب قال لي «لن تصدق الزيادة الكبيرة في أعداد السياح من مختلف الجنسيات التي تفد إلى دبي هذه الأيام، بعد أن أصبحت الإمارة رئة العالم شبه الوحيدة في ظل حالات الإغلاق شبه الكامل للمقاصد السياحية حول العالم، ونجحت إلى حد كبير في تحقيق التوازن بين فتح الاقتصاد من جهة والحفاظ على الإجراءات الاحترازية من جهة أخرى». رأيت الكثير من المرافق العامة تعمل بنصف طاقتها، لكن بفاعلية، كذلك المنشآت السياحية مثل المطاعم وغيرها، ولم أجد إغلاقات على نطاق واسع، بل إن الأسعار بقيت كما هي تقريبًا، وسط وفرة وتنوع في كل شيء. لاحظت أن الجميع، مواطنين ومقيمين وحتى السواح، وعلى جميع المستويات، يتحلون بأقصى درجات الانضباط الذاتي على صعيد الالتزام بالإجراءات الاحترازية، ويدركون بالضبط ما هي مسؤوليتهم تجاه أنفسهم وتجاه غيرهم في هذه الظروف الصحية الاستثنائية، والجميع اندفع نحو أخذ اللقاح، بما في ذلك السياح. من محاسن الصدف إطلاق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، «خطة دبي الحضرية 2040»، وأنا هناك، حيث تسنَّت لي فرصة أن اتابع عن كثب رد فعل قطاع الأعمال وعامة الناس على هذه الخطة، وشاهدت كيف أن الجميع انكب على متابعة أخبارها ودراسة تفاصيلها انطلاقًا من إيمانه الكامل بدوره المستقبلي في تنفيذها. إنها آلية عمل ناجحة تتبناها إمارة دبي وتكررها منذ عقود، تقوم على الإعلان عن رؤية طموحة جدا لدرجة يعتقد البعض أنها مجنونة أو غير واقعية على أقل تقدير، مثل فكرة بناء أعلى برج في العالم في رمال دبي، أو تطوير شاطئ جميرة، أو إنشاء ميناء يخدم منطقة الشرق الأوسط ككل، أو الفوز بتنظيم معرض إكسبو. ثم يبدأ رجال الأعمال والشركات وعامة الناس بمراقبة الأمور من بعيد، وسرعان ما يتأكدون أن الرؤية تتحول لحقائق على أرض الواقع بالفعل، فينهالون على دبي من المنطقة والعالم بحثا عن جزء من كعكة الفرص الناتجة عن تلك الرؤية، وفيما هم يفعلون ذلك يسهمون بشكل أو بآخر بتنشيط اقتصاد دبي أكثر من خلال توطين استثماراتهم وأفكارهم وابتكاراتهم وعائلاتهم في الإمارة. خلال وجودي في دبي زرت أيضا موقع الإكسبو، ورأيت كيف أصبح جاهزا لاستقبال العالم، وكان من المقرر أن أشارك في هذا المعرض من خلال «متحف الصوت والصورة» الذي جمعته على مدار نحو نصف قرن، لكن جرى تعليق هذه المشاركة حاليًا بسبب الظروف الاستثنائية لكورونا، وآمل أن تتحسن الأمور أكثر وأتمكن من المشاركة، إما مع افتتاح المعرض أو فترة لاحقة خلال الأشهر الستة التي سيبقى مقاما فيها. لكن لماذا ذهبت إلى دبي أساسًا؟. في الواقع كان لدي الكثير من الأعمال المعلقة هناك والتي تحتاج لتدخل شخصي مني، خاصة وأن شركاتي في دبي توظف الكثير من الناس، وأشعر بأنني أتحمل مسؤولية كبيرة تجاههم، وتجاه لقمة أولادهم، ومن الضروري جدًا أن أفعل كل ما في وسعي من أجل المحافظة على وضع شركاتي في السوق، بل وتنميتها، لأن في ذلك فائدة لي، وللموظفين، وللاقتصاد أيضا. في نهاية الأسبوع عدت إلى البحرين لأراها من زاوية أخرى، زاوية المسافر الذي اشتاق لمنزله ومقر عمله والناس الطيبين من حوله بعد أن اعتاد عليهم بشكل يومي لمدة عام كامل، وأعدت تفكيري وإداركي لما تقوم به قيادتنا الرشيدة من جهود لمكافحة جائحة كورونا ليس على صعيد الصحة فقط، بل مختلف الأصعدة الخدمية والاقتصادية، بما في ذلك توزيع منح مالية على الشركات، وإعفاء حتى المقيمين من بعض الرسوم الحكومية، وهو أمر لم أشاهده في بلد آخر. كم أنا سعيد وفخور بالانتماء إلى خليجنا العربي القوي اليافع القادر برؤية قادته وتماسك شعبه على مواجه كل الشدائد والمحن، والخروج منها أقوى وأصلب وأكثر إيمانًا بالمستقبل. *رئيس مجلس إدارة مجموعة بروموسِفِن القابضة

مشاركة :