تركيا..حرب مفتوحة مع الأكراد

  • 9/17/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

انفجر الوضع الأمني في تركيا على مصراعيه وبلغ ذروته في عملية داغليجة (قرب الحدود العراقية) يوم الأحد في 6 سبتمبر/أيلول التي فجر فيها حزب العمال الكردستاني عربتين مدرعتين للجيش التركي أسفرت عن مقتل 16 جندياً وضابطاً وتلاها تفجير حافلة شرطة في اليوم التالي في منطقة إيغدير أسفرت عن مقتل 14 من رجال الشرطة. أصيبت تركيا بصدمة كبيرة جراء العمليتين وهي التي لم تعرف هذا الكم من القتلى خلال 24 ساعة منذ سنوات طوال. وبدت الحكومة كما رئاسة الأركان في غاية الارتباك من هول الصدمة. فرئاسة الأركان لم تعلن عن عدد قتلى داغليجة سوى بعد ثلاثين ساعة، في وقت كانت أرقام القتلى تتناقلها وكالة رويترز وحزب العمال الكردستاني نفسه. تطرح الصدامات العسكرية الواسعة والمفتوحة بين القوات الحكومية وحزب العمال الكردستاني مسألة ما إذا كانت مرحلة المفاوضات التي أطلق عليها اسم عملية الحل قد انتهت وطويت أم إن ما يجري مؤقت ومرتبط بظروف محددة داخلية وخارجية. يلاحظ المرء أن هناك بعض الخطوات قد أقدمت عليها الحكومة التركية بصورة بدت مفاجئة إلى حد كبير. من ذلك إعلان الحرب على تنظيم داعش بعد تفجير سوروتش في العشرين من يوليو/تموز الماضي وذهب ضحيته 32 شخصاً. ومع أن داعش لم يعلن عن مسؤوليته فإن الحكومة أصرّت على أنه من فعله واتخذته ذريعة لإعلان حرب على التنظيم تبين لاحقاً أنها حرب كاريكاتورية اقتصرت على بعض الضربات الاستعراضية. الخطوة الثانية كانت فتح قاعدة إينجيرليك وقواعد عسكرية تركية أخرى أمام الطائرات الأمريكية التي تريد قصف مواقع ل داعش في سوريا والعراق وذلك في النصف الثاني من يوليو/تموز الماضي. ولم يعرف ما المقابل الأمريكي للخطوة التركية وإن كانت المعلومات المسربة لا تشير إلى أي ثمن مهم تلقته تركيا. علماً أن واشنطن كانت تطلب فتح إينجيرليك أمام طائراتها منذ أكثر من سنة وكان الجواب التركي بالرفض. أما الخطوة الثالثة فكانت إعلان تركيا الحرب على تنظيم حزب العمال الكردستاني في العشرين من يوليو أيضاً بذريعة أن المقاتلين الأكراد قاموا بعملية عسكرية ضد الجيش التركي. ثلاثة أحداث لم يعرف أحد لماذا أعلنت في تلك اللحظة ولم يكن هناك ما يستوجب من مستجدات خطيرة تبررها. لا يختلف أحد من خارج سلطة حزب العدالة والتنمية في تركيا على أن كل المتغيرات السياسية في الداخل التركي مرتبطة بصورة مباشرة بالنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية في السابع من يونيو الماضي. حينها أفضت النتائج إلى فشلين كبيرين لتلك السلطة: الأول هو فشل حزب العدالة والتنمية في الاحتفاظ بالسلطة بمفرده وتراجع عدد نوابه إلى 258 أي أقل ب 18 نائباً من النصف زائد واحد المطلوبة. والثاني هو دفن أحلام رجب طيب أردوغان الذي كان يريد ليس فقط النصف زائد واحد بل ثلثي المقاعد أي 367 مقعداً لحزب العدالة والتنمية بل أيضاً 400 نائب ليتمكن من تعديل الدستور في البرلمان وتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي تكون كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية. أخفق أردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية فكان ذلك نقطة التحول في كل المسار السياسي والأمني والعسكري بل الاقتصادي أيضاً في الداخل. لم يتقبل أردوغان وحزبه النتائج ولم يستوعبوا الصدمة بل شرعوا منذ لحظة ظهور النتائج إلى رسم خطة مضادة وصفتها المعارضة بأنها انقلاب سياسي لتعطيل مفاعيل نتائج الانتخابات واعتبارها كأنها لم تكن والعمل على تهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات نيابية جديدة مبكرة علها تعيد إلى أردوغان وحزب العدالة والتنمية على الأقل النصف زائد واحد للبقاء منفردين بالسلطة خارج تعديل الدستور. وقد اتبع أردوغان بداية استراتيجية إفشال الجهود لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري أو حزب الحركة القومية بالقول إن شروطهما للدخول في ائتلاف حكومي صعبة ولا يقبلها العدالة والتنمية. وكانت النتيجة أن أحمد داود أوغلو وبإيعاز من أردوغان لعب دوره بأمانة لتفشيل التشكيل ولتقطيع الوقت حتى انتهت مهلة ال45 يوماً من دون تشكيل الحكومة ما أتاح لأردوغان التحجج بالدستور والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة سمّاها إعادة وليس انتخابات مبكرة. في الانتخابات النيابية الماضية خسر أردوغان وحزبه لسببين أساسيين. الأول أن حجم أصواته تراجع من خمسين في المئة عام 2011 إلى 41 في المئة عام 2015 بل خسر ثلاثة ملايين صوت من حجم التأييد الذي ناله في عام 2011 رغم أن عدد الناخبين ازداد خمسة ملايين. أما السبب الثاني فهو أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي يعتبر إلى حد ما الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني قد نجح في تجاوز عتبة العشرة في المئة الضرورية لدخول البرلمان بل نال 13.2 في المئة وما مجموعه 80 نائباً في البرلمان في حدث تاريخي غير مسبوق في تاريخ تركيا. لكن هذه النتيجة كان لها مفعول مدمر على عدد نواب حزب العدالة والتنمية الذي كان يستولي على نواب المناطق الكردية بما لا يقل عن 50-60 نائباً، فقط لأن الأكراد كانوا غير قادرين على تجاوز عتبة العشرة في المئة. ولو أن الحزب الكردي حصل على أقل من تسعة في المئة لكان حزب العدالة والتنمية يتربع الآن سعيداً على عرش الأكثرية المطلقة في البرلمان. من هنا يعيد أردوغان السبب الأساسي في كسر عرشه إلى فوز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. ومن هنا تبدأ حكاية الحرب على الأكراد وعلى حزب العمال الكردستاني وكل هذا المشهد الدموي الذي تشهده تركيا الآن. ما علاقة الحرب على داعش وفتح إينجيرليك بالأمر؟ الجواب بسيط وهو خداع الرأي العام والغرب بأن تركيا تريد الحرب على داعش بما في ذلك فتح إينجيرليك لتغطية حربها على حزب العمال الكردستاني. ما الذي يستفيده أردوغان وحزبه من الحرب على الأكراد انتخابياً؟ استراتيجية أردوغان تقوم على أمرين: 1- تعويض خسارة حزبه شعبياً من خلال كسب بعض الأصوات القومية من طريق تسعير النزعة القومية وتأجيج الخطاب العرقي بتحميل الأكراد مسؤولية العنف المتجدد وبالتالي إن توجيه ضربات إلى حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق وفي الداخل التركي ستظهر أردوغان على أنه حامي حمى الأمن القومي التركي والقائد الشجاع الذي يحمي الأمة التركية من خطر الانفصاليين. وهذا يكسبه، وفقاً لما يعتقد، نقاطاً مئوية إضافية قد تكون كافية لتعويض ال14 نائباً التي تنقصه. وفي سياق التركيز على الصوت القومي قام أدروغان برشوة طغرل توركيش نائب رئيس حزب الحركة القومية وابن الزعيم التاريخي المؤسس للحزب ألب أرسلان توركيش بتوزيره وفي موقع نائب رئيس الحكومة ما أدى إلى فصله الفوري من حزب الحركة القومية. 2 - الأمر الثاني أن أردوغان يريد الوصول إلى الانتخابات النيابية المقبلة وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي في أضعف صورة له عبر اتهامه بأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وعبر تقديم قادته ومنهم صلاح الدين ديميرطاش للمحاكمة بتهمة تحقير رئيس الجمهورية ودعم الإرهاب بحيث يؤثر ذلك في الحزب وربما فشله في تجاوز عتبة العشرة في المئة وفي أسوأ الأحوال تتراجع نسبة التأييد له في المناطق الكردية فيستعيد حزب العدالة والتنمية بعض النواب الكافين ليحصّل الأغلبية المطلقة من جديد. في البعد الخارجي يراهن أردوغان على أنه بتوجيه ضربات جوية إلى حزب العمال الكردستاني يومياً وبصورة مكثفة خصوصاً في جبال قنديل سيضعف مشاركة الحزب الفعالة في حرب قوات الحماية الكردية في سوريا ضد تنظيم داعش ويحول دون إمكانية تقدمهم لوصول منطقة عين العرب/كوباني بمنطقة عفرين ليكتمل الشريط الكردي على امتداد الحدود السورية مع تركيا، ومنع استكمال هذا الشريط هدف استراتيجي للأمن القومي التركي. مع ذلك فإن هذا الهدف يأتي في المرتبة الثانية من أهداف أردوغان حيث يبقى الهدف الأكثر استراتيجية وحيوية هو كيفية العودة إلى السلطة منفرداً مع حزبه. بهذا النهج الدموي تذهب البلاد إلى انتخابات مبكرة. خيوط اللعبة ليست دائماً بيد أردوغان. فحزب العمال الكردستاني الذي لم يحصل على أي تنازل من الحكومة التركية في فترة المفاوضات لن يدع أردوغان يمرر خطته الدموية الحالية. ويرى قادة الحزب أن المرحلة مرحلة كسر عظم وما يريده أردوغان من كسر الحزب عسكرياً وسياسياً لن يتحقق وهو لذلك قرر أن يرد على هجمات الجيش التركي ويأخذ زمام المبادرة من خلال عمليات عسكرية نوعية وتكتيكات عسكرية جديدة تقوم على زرع المتفجرات وتفجيرها بقوافل الجيش التركي بدلاً من الدخول بمواجهات مباشرة معه وإلحاق أكبر الأذى مما يضع أردوغان أمام حرج كبير أمام الرأي العام ويحملونه مسؤولية تحويل تركيا إلى بحيرة دم من أجل مطامع شخصية في السلطة بدلاً من أن يقبل بالشراكة في الحكومة مع المعارضة وهي شراكة كانت رسالة الناخب التركي الأساسية في انتخابات 7 يونيو الماضي. 13 عاماً مرت وسلطة حزب العدالة والتنمية لم تقدم شيئاً للأكراد وكانت الأكثر قدرة على ذلك. لكنها ذهنية تتعلق بالعقل التركي عموماً ومنذ عام 1923 وليس بحزب دون آخر. وهنا استحالة حل المشكلة الكردية إلا بعملية جراحية على غرار ما حصل في العراق وما قد يحصل في سوريا.

مشاركة :