قال التهامي العبدولي كاتب الدولة المكلف الشؤون العربية والأفريقية بوزارة الخارجية التونسية، إن «دواعش تونس» تحت السيطرة، وإن هناك رصدًا دائمًا لكل شاردة وواردة تأتي من الحدود التونسية الليبية، وخصوصًا أنها غير مسيطر عليها من الجانب الليبي نظرًا للصراع الحالي بين مجموعة طرابلس وبنغازي، داعيًا في حوار خص به «الشرق الأوسط»، الأطراف الليبية لتغليب المصلحة العليا لبلادهم، والانتصار لأمنها واستقرارها. كما تحدث العبدولي عن مكافحة الإرهاب والوضع الأمني في تونس وقانون المصالحة الاقتصادية، مؤكدًا أن الرئيس السبسي يحترم كل الآراء، وأن الموضوع مطروح للمؤيد والمعارض للوصول إلى صيغ ترضى الجميع.. وفيما يلي أهم ما جاء في الحوار: * من الملاحظ أن التهديدات التي تتعرض لها المنطقة خيمت على أجواء الاجتماع الوزاري العربي.. هل اتخذت قرارات بحجم هذا التحدي؟ - من الطبيعي أن يسيطر على كل اجتماع موضوعات مختلفة، مثل قضية اليمن وليبيا، ومن أهم المواضيع التي تكاد تشترك فيها كل الدول العربية هو موضوع الإرهاب. أعتقد أن المجلس استطاع أن يؤكد على مبدأ أساسي في القرار وهو تجريم كل فكر متطرف إرهابي، ودعوة الدول العربية إلى سن تشريعات تجرم هذا الفكر الذي نعاني من نتائجه الآن، وهذا أمر جيد لأنه يتجه مباشرة إلى تجفيف منابع الإرهاب التي تنشر تصورات فكرية مغلوطة، مبنية على تأويلات خاطئة. * نسمع بين الوقت والآخر عن «دواعش» في تونس وتهديدات أمنية تلوح في الأفق.. من أين وصلت إليكم هذه التهديدات؟ - «الدواعش» هم في الأصل تنظيمات إرهابية تتلون حسب المواقف والقوة الضاربة، وبعد أن كانت تتمثل في القاعدة وجبهة النصرة أصبحت الآن تسمى بتنظيم داعش، وكأنها موديل في الإرهاب، وقد ظهرت بالفعل مجموعة تنتمي لهذا التنظيم في تونس، وقد أغلق بسببها شارع بورقيبة في العاصمة، وألقي القبض عليهم وهم يحاكمون الآن، وجلهم يقول إنه اعتنق الفكر الداعشي عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي مع أطراف أخرى، ورغم هذا فهي لا تعتبر في تونس ظاهرة، بل حالات معزولة، وبفضل المصادقة على قانون الإرهاب في تونس أصبحت وزارة الداخلية والدولة تحكم قبضتها على هذه التنظيمات، ولا وجود لتساهل في موضوع «الدواعش» والتنظيمات الإرهابية مهما كان تصنيفها، لأن المعركة بالنسبة لنا، وكما هي بالنسبة للعالم العربي، معركة مصير وحياة.. فإما نحن أو هم. وبالنسبة لنا فإن بقاء الدولة يعد ضروريا كي يعيش المواطن في أمن واستقرار وفق مفهوم الوسطية والاعتدال. * ما مدى صحة وجود «دواعش» قاموا بتأسيس إذاعة لهم في جنوب تونس تبث نشاطهم المتطرف؟ - لا توجد لدينا إذاعة في الجنوب كي يسيطروا عليها، وبالتالي فإن هذا لم يحدث إطلاقا، لكن التهديدات موجودة في كل الأماكن وهي تكتيكية أحيانا، ووزارة الداخلية تقوم بواجبها حسب احتمال ونسبة هذه التهديدات، ولا تهمل أي شاردة أو واردة في هذا الموضوع. نحن على يقظة تامة وهذا أمر مؤكد، والمواطن التونسي أصبح لديه وعي كامل بدرجة الخطورة، كما أن المجتمع أصبح أيضا جزءا من عملية رفض الإرهاب ومطاردته في المواقع التي يوجد بها، وأغلب المتشددين الآن موجودون في بعض الجبال وأعدادهم محدودة. أعتقد أننا في القريب العاجل سوف نتمكن من الانتصار عليهم، والمعطيات الأمنية جيدة، وهناك تنسيق متكامل بيننا وبين دول الجوار، بما في ذلك مصر والجزائر وغيرها، وحتى من جانب الأطراف الليبية، وهذا أمر جيد. * ما هي تداعيات الأزمة الليبية على تونس؟ وهل وصلت تنظيمات الدواعش من الحدود المشتركة؟ - ليبيا لا تسيطر على مناطق الحدود كما يجب بسبب الجدل السياسي بين جماعة طرابلس وجماعة بنغازي، وبين الحين والحين يتسرب بعض «الدواعش» إلى تونس، وكثير منهم تونسيين يتدربون ثم يعودون إلى البلد، لكن منذ ثلاثة أشهر تقريبا أصبح يتم اعتقال كل من يتسرب في حينه. * كيف ترون نتائج المباحثات الليبية بالصخيرات ومشاورات تشكيل حكومة وفاق وطني؟ وهل تتوقع نجاح ليون في مهمته؟ - حسب المعطيات المتوفرة لدينا حتى الآن، خاصة وأن تونس تحضر هذه الاجتماعات عن طريق سفيرها لدى المغرب، فإننا نرى أن الأمور تتقدم بمنحى إيجابي جيد، ونتوقع أن ينجح المبعوث الأممي ليون في إقناع الأطراف المشاركة في الحوار بالتوقيع على هذا الاتفاق، وهناك سقف زمني يجب ألا يتجاوز حسب الاتفاق تاريخ 20 سبتمبر (أيلول)، وهناك معطيات ومؤشرات توضح أن ليون سوف ينجح في مهمته من أجل الليبيين، ونحن ندعو كل الليبيين مرة أخرى إلى التوافق، وتغليب مصلحة بلادهم على المصالح الخاصة الضيقة، والليبيون هم أقدر على فهم أنفسهم ومتطلبات المرحلة لحماية بلدهم، كما أن تونس تعتبر أن ما يحدث في ليبيا يؤثر مباشرة على تونس وعلى مصر أيضًا. * ما نتائج لقائكم من المبعوث الأممي إلى سوريا دي ميستورا؟ - دي ميستورا قدم عرضًا واضحًا دقيقًا يتألف من أربع نقاط، وطلب من الدول الأعضاء والجامعة العربية القيام بدورها من خلال الاهتمام باللاجئين وبالجانب الإنساني، والدعم المادي وتسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة في سوريا، وبالتالي نرى أن دي ميستورا يملك خريطة طريق واضحة، ولذلك نتمنى له التوفيق في التنفيذ باتجاه الحل السياسي الذي يمكن من حماية الدولة السورية، لأن قرار الحرب هو قرار سياسي، وإذا اندلعت فإنها لا تخضع للسياسة. الآن هناك منطق لعودة السياسة، ونتوقع في ضوء ما قدمه دي ميستورا أنه بسير على الخط الصحيح. * هناك اتجاهان لحل الأزمة في سوريا: واحد سياسي لإنهاء الصراع.. وآخر أمني لمكافحة الإرهاب؟ أيهما يحتل الأولوية؟ - مكافحة الإرهاب يسير في خط متوازٍ مع الحل السياسي وفي نفس اللحظة، أي مكافحة الإرهاب ونجاح العملية السياسية. وهنا لا بد من التأكيد على أن القضاء على الإرهاب يحتاج أيضًا للتوافق السياسي. * هل تعتقد أن مشروع القوة العربية المشتركة قد يكون آلية ناجحة لمكافحة الإرهاب؟ - القوة العربية المشتركة تعد آلية جيدة ويمكن الدفع بها نحو النجاح، لكن مهمتها تتحدد بطلب من الدولة المعنية، وهي تعد أفضل آلية للعمل المشترك حتى اليوم منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، حيث كانت هناك نواة قوة عربية، واليوم تبلور هذا المشروع من خلال بنية هيكلية واضحة، وإذا نجحت مهمتها فإنها سوف تعطي نتائج أكثر وضوحًا في كيفية التعامل مع المشكلات بالمنطقة، أو رد الأعداء لأن الأمن القومي العربي في خطر، وهو ما يتطلب أن نكون معًا في عمل مشترك لأن ما حدث في أي عاصمة عربية يمكن أن يتكرر في غيرها، ومن ثم فإن التنسيق واجب. * كيف ترون التنسيق العربي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ هل تم تحديد برامج بعينها بالنسبة لتونس؟ - سوف سيتم تمثيل تونس في هذه الاجتماعات على مستوى رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، والملفات التي ستطرح بها سيخصص جانب كبير منها حول الإرهاب والخطط الاستراتيجية لمقاومته، وفي كل الأحوال هناك تنسيق عربي بدأ حتى قبل الذهاب إلى هذه الاجتماعات، وأعتقد أننا سنكون على موقف واحد. * كيف تتعاملون مع احتجاجات التونسيين على قانون المصالحة الاقتصادية؟ - الرئيس السبسي قال إن هذا القانون يحتاج إلى نقاش كي نتفق عليه، ومن المنطق أن يقع حوله جدل سياسي في مرحلة ما بعد الثورة، وحتى المظاهرة التي نظمت مؤخرًا في شارع بورقيبة كانت قمة في الديمقراطية، حيث عبر الشعب من خلالها عما يريد وسجل موقفه وانتهى الأمر، وقد وصلت رسالته. أعتقد أن من قال لا ومن قال نعم سوف يصلان إلى حل وسط لوضع قانون مصالحة، لأننا لا يمكن أن نعيش من دونها، وهو يعد جزءًا من تطوير الاقتصاد التونسي، وبقي أن نضع في الاعتبار ألا تكون المصالحة على حساب من ظلموا، وأعتقد أن هذا الجدل السياسي تحول الآن إلى حوار يمكن من خلاله حسم الموقف بما يجعل قانون المصالحة محل رضاء الجميع.
مشاركة :