حوادث القطارات المتكررة في مصر سترغم الحكومة على الاستعانة بخبرات أجنبية من أجل استكمال خطط تطوير البنى التحتية للسكك الحديدية وذلك بعد الحادث الأخير الذي جد الجمعة في محافظة سوهاج جنوب البلاد والذي أسفر عن مقتل 19 شخصا. القاهرة - تصّدر حادث تصادم قطارين بمحافظة سوهاج في جنوب مصر نقاشات خبراء ومواطنين عاديين بشأن الطريقة المثلى للتعامل مع هذا النوع من الحوادث التي صارت مألوفة بعد أن أولت الحكومة اهتماماً بتطوير البنية التحتية للقطارات، وشملت الخطوط الرئيسية الممتدة من الشمال إلى جنوب البلاد، لكنها لم تصل إلى العامل البشري والجهات المسؤولة عن عملية التشغيل بما يجعلها قابلة للتكرار مستقبلاً. وطالب الرئيس عبدالفتاح السيسي السبت بتحقيق التوازن المطلوب بين استكمال مخطط التحديث الشامل لمرفق السكة الحديدية وما يحتويه من نظم إلكترونية متطورة بالتوازي مع استمرار تشغيل القطارات، وتقبّل إمكانية حدوث بعض التأخير في مواعيد القطارات إلى حين الانتهاء من تحديث المنظومة. وبدا واضحاً أن الحكومة سوف تتعامل هذه المرة مع حوادث القطارات عبر السماح باستكمال خطط التطوير بدلاً من هدم المعبد والبدء من نقطة الصفر، وأضحت أكثر انفتاحاً على الخبرات الأجنبية للتعامل مع المشكلات الجذرية التي عانى منها المرفق على مدار عقود، غير أنها لم تصل بعد إلى مرحلة تسليم المرفق لجهة أجنبية تتولى إدارته مثلما كان الحال عندما أقدمت على خطوة إنشاء مترو الأنفاق ثم القطار المكهرب. وبدأت الحكومة في الاستعانة بالخبرات الأجنبية على نحو محدود لتطوير الإشارات الإلكترونية، وعقدت اتفاقيات مع شركة “ألستوم” الفرنسية المتخصصة في مجال النقل لكهربة الإشارات والنظام الآلي للتحكم، بالتوازي مع تعاقدها لاقتناء 1300 عربة سكة حديد جديدة من روسيا والمجر، واستطاعت أن تُحدث تطويراً على مستوى القطارات المميزة أو ما تسمى بـ”قطارات الفقراء”. وحملت تصريحات المسؤولين على مدار يومي الجمعة والسبت تأكيداً على أن هناك خطوات جرت بالفعل لتطوير المرفق ستظهر نتائجها بعد الانتهاء من عملية التحديث التي تشمل الخطوط الرئيسية الثلاثة في مصر بإجمالي ألفي كيلومتر من المقرر الانتهاء منها في نهاية يونيو من العام المقبل لتصبح خطوطا آمنة دون تدخل بشري. ولم تفلح خطوة الحكومة برصد حوالي 15 مليار دولار لتطوير شبكة السكة الحديدية بحسب ما أعلن عنه وزير النقل المصري الفريق كامل الوزير في إنهاء الحوادث وما ينجم عنها من خسائر بشرية، وربما لم يشعر البعض أن ثمة خطة للتحديث. وقال خبير الإدارة المحلية حمدي عرفة لـ”العرب” إن “الحكومة المصرية تجد صعوبة في جذب الاستثمارات الأجنبية لقطاع السكة الحديدية المنهك، وهو بحاجة لتطوير على مستوى بنيته التحتية، فالعديد من الشركات ترفض تحمل مسؤولية مرفق بهذه الحالة”. وأضاف أن الإهمال الذي أصاب المرفق على مدار سنوات طويلة تسبب في وجود صعوبات كبيرة أمام وزارة النقل لتحديثه بالرغم من الميزانيات الضخمة المخصصة لعملية التطوير، ولم تتمكن الحكومة سوى من ميكنة 25 في المئة من الإشارات التي كانت تعمل يدوياً أو بالكهرباء، وما زال الجزء الأكبر دون تطوير. وأوضح عرفة أن عملية التحديث تتطلب أن تواكبها تدريبات للأيدي العاملة في مجالات السكة الحديدية، وإن جرى تحييد العنصر البشري بشكل كبير، لأن هذه العناصر ليست لديها خبرات في التعامل مع مشكلات التطوير الإلكتروني، مع ضرورة إدخال الشركات الخاصة كشريك في عملية التطوير إلى حين الوصول إلى مرحلة يمكن معها الاستعانة بالخبرات الأجنبية لإدارة المرفق. ويرى متابعون أن الحكومة المصرية في طريقها للاستعانة بشركات أجنبية لتنفيذ خطوط ربط السكة الحديدية بين مصر وليبيا، وسوف تكون مسؤولة عن عملية التشغيل والإدارة. وتكرار الأمر بالنسبة إلى تطوير الخطوط الداخلية يحتاج البحث عن خطوط جديدة بديلة عن القديمة بما يخفف الضغط عليها ويتيح الاستعانة بهذه الخبرات التي تطالب بأن تكون عملية البناء والتشغيل خاضعة لإدارتها. ولدى وزارة النقل مشاريع طموحة لتوسيع شبكات السكة الحديدية في طول البلاد وعرضها بما يزيد على خمسة آلاف كيلومتر بتكاليف تزيد عن ثمانية مليارات دولار، بينها مشروع إنشاء خط قطار سريع يربط القاهرة والإسكندرية (شمال) في المرحلة الأولى ثم القاهرة وأسوان (جنوب) في مرحلة لاحقة، وخط آخر يربط العلمين (غرب) على ساحل البحر المتوسط مع عين السخنة (شرق) على البحر الأحمر. ويخشى البعض من المراقبين أن تثير الأموال الضخمة التي رصدتها الحكومة لتطوير مشروعات مترو الأنفاق والسكة الحديدية شهية الفاسدين في الإدارات الحكومية التي تعاني من التسيب والانفلات وغياب ثقافة الانضباط في العمل. وتطرح هذه المشكلات أسئلة مهمة حول قدرة توظيف هذه الأموال في التطوير من دون إصلاح هذه الإدارات، وهو أمر صعب تحقيقه على الأرض بعد أن أضحى الإهمال لافتا في كثير من خلايا الجهاز الحكومي، ما يصب في صالح وجود ضرورة لتسريع الإصلاح بمساعدة خبرات أجنبية رائدة في إدارة مرفق السكة الحديدية. وأوضح وزير التنمية المحلية الأسبق اللواء محسن النعماني أن الإدارة الأجنبية لمرفق السكة الحديدية ليست بالأمر السهل، وتختلف تماماً عن إدارة مرفق مترو الأنفاق الذي يجري مد خطوطه حاليا، لكنها تعد السبيل الأضمن نحو التخلص من عقدة الحوادث المتكررة، على أن توازي ذلك جهود سريعة لتطوير العنصر البشري واستكمال الميكنة الحالية للإشارات. وأشار النعماني في تصريح لـ”العرب” إلى أن أزمة السكة الحديدية معقدة ولن يكون من السهل التعامل معها حتى من قبل الخبرات الأجنبية، لأنها عندما شيدت في أواسط القرن التاسع عشر كانت في مناطق خالية بعيداً عن الازدحام والتكدس الحالي الذي ظهر في كثير من أنماط العشوائية في عملية إدارتها. وأضحى وجود السكة الحديدية بمحاذاة نهر النيل وفي مناطق سكنية يشكل تهديداً متصاعداً، والوصول إلى قطارات أكثر سرعة وأكثر أماناً في نفس الوقت يتطلب سنوات طويلة وأموالا طائلة، ما يجعل المشكلة مركبة وبحاجة إلى مزيد من الصبر للحصول على نتائج جيدة. وتواجه السكة الحديدية في مصر أزمة متفاقمة ترتبط بزيادة أعداد مستعمليها الأمر الذي كان دافعاً لمضاعفة عدد الرحلات اليومية، لكن ذلك قد تنجم عنه خسائر مضاعفة إذا لم توجد منظومة إشارات قادرة على ضبط الحركة على طول امتدادها البالغ نحو تسعة آلاف كيلومتر وتخدم 23 محافظة ونحو 700 محطة. ولم تستطع وزارة النقل إرغام السائقين على تشغيل جهاز التحكم الذاتي المعروف باسم “ATC” نتيجة زيادة عدد الرحلات، ويقوم هذا النظام بإيقاف القطار في أي منطقة قد تشهد حوادث قبلها بـ300 متر، الأمر الذي تسبب في تأخير الرحلات لساعات طويلة، ووجدت وزارة النقل نفسها مضطرة للسماح بعدم تشغيله حفاظاً على انتظام الرحلات.
مشاركة :