نقرأ فى سفر يشوع بن سيراخ: «المرأةُ الصالحة نصيبٌ صالح، يُمنحُ لِمَن يتّقى الربّ» (3:26). يتميّز شهر مارس من كل عام بعدّة احتفالات ومناسبات مهمة فى تاريخ البشرية، سواء يوم المرأة العالمى أو يوم المرأة المصرية أوعيد الأسرة الذى نُطلق عليه عيد الأم، وبمناسبة هذه الاحتفاليات العظيمة، يمكننا أن نُلقى الضوء على دور المرأة والرجل داخل الأسرة وخارجها لأهميتهما وتأثيرهما على مستقبل الأبناء والوطن والشعوب. وهنا تحضرنى صلاة بسيطة وعميقة نابعة من قلب الكاتب نيقولا توماس الذى يتضرع لله قائلاً: «يا رب امنحنا سعادةً نقية وآلاماً مُحتملة وحُبّاً صبوراً ووفاقاً سعيداً وقوياً فى عمل الخير. امنحنى خبزاً لزوجتى، وإذا كان لى نصيباً فى أن أصبح أباً؛ أعطنى حياةً وفضيلةً أستطيع بهما القيام بتربية أبنائى لكن إن كانت أيامى معدودة فى هذه الحياة؛ فى يديك أستودع هذه القطعة من جسدى. أطلب منك أيضاً أن تساعدنى فى تشجيع وتعضيد الأخوة بالمثل الصالح والكلمة الطيبة والقدوة الحسنة. باركنا يا رب لأننا فيك نبتهج خاشعين وفيك نستريح سواء كنّا حزانى أو فرحين». ما أعمق وأبسط هذه الصلاة النابعة من القلب، والتى تعبّر عن نبض الأسرة وحياتها، والانفتاح على الآخرين والتفكير فيهم مهما كانت التزامات الأسرة. نحن فى أمس الحاجة لمثل هذه الصلاة التى تنجينا من الشوائب والأمراض التى تهدد العلاقات الأسرية وتفتتها وعدم الاستمرار فى الجو العائلى، نتيجة أتفه الأسباب. كما أننا بحاجةٍ إلى تقدير معنى الأمومة الصادقة المبنية على التضحية وإنكار الذات والمسئولية. فالأم هى ملاك أقامه الله بجانب كل شخصٍ منّا، تغمرنا بحبّها ورعايتها، رضاها هو رضى الله، وبركتها بركته. هل نستطيع أن نتخيّل شخصاً يُحبنا محبّتها؟ فالأم هى عماد الأسرة والمجتمع، لأن فى أحضانها يتربّى أحسن ما فى خلق الله، فهى تعلّم أطفال اليوم ورجال الغد، تعاليم الشرف والإنسانية والرقى والبطولة، إذاً، نستطيع القول بأن زمام المستقبل بيدها، تصلحه إن شاءت، وتفسده متى أرادت. وكما يقول الشاعر: «ولم أرَ للخلائق من محلٍّ يهذّبها كحُضن الأمهات! فحُضن الأم مدرسةٌ تسامت بتربية البنين أو البنات». فالأم كائن استثنائى خارق الطبيعة، أمومتها تمنحها العزيمة والقوة والصبر لتقف على قدميها وتتحمل كل شيء، مهما كانت مشقته أو النتيجة المترتبة عليه، فهى تقاوم وتبتسم وتكتم الألم، ومما لا شك فيه أنها تخفيه عن أقرب الناس إليها. تضع نفسها فى نهاية القائمة، عندما يتعلق الأمر بالأكل أو الشراب أو الملبس أو العلاج. ولا يقتصر دور الأمومة على النواحى المادية والدنيوية فقط، ولكنها قبل كل شيء هى الاهتمام بنفوس الأبناء والسهر على أخلاقهم، وتذكيرهم بوجوب مخافة الله، لأنه الضمان الوحيد لسعادة الدنيا والآخرة. ونستطيع أن نُشيد أيضاً بدور الآباء الذين يقومون بهذا الدور على أكمل وجه، سواء فى العمل أو الأسرة، لأن محبتهم الحقيقية تشع على تعاونهم الدائم مع زوجاتهم، فعلى عاتقهم تقوم الحضارات وتزدهر الأوطان، ويتربّى رجال تفتخر بهم الإنسانية. فهم رمز البذل والتضحية، وعنوان البطولة والفداء، وأمل الأوطان المتحفزّة للعزّة والرقى. إن حياة الآباء والأمهات سلسلة متصلة الحلقات من تضحيات بطولية، فلا النهار نهار ولا الليل ليل فى حسابهم، بل همّهم الأول والأخير سعادة الأسرة. فالوالدان كشجرة شابة لا تهرم أبداً، تمتد أغصانها الباسقة لتنشر ظلالها على مَنْ حولها وتحميهم من أشعة الحياة الحارقة، كما أنهما يصمدان أمام أعاصير الحياة من أجل أبنائهما. ومما لاشك فيه أن التربية السليمة للآباء والأمهات تترك أثراً عميقاً فى نفوس أبنائهم لن تمحُهُ الأيام، بل يجعلهم يسلكون دوماً ويسيرون فى الطريق المستقيم طوال أيام حياتهم. ويقول المثل: «إن أطفال العالم يغلقون آذانهم عن النصيحة ويفتحون أعينهم على القدوة الصالحة». لذلك فالمثل الصالح للأهل يترك أثراً بالغاً فى مستقبل أبنائهم، ولن تُمحى أبداً آثار تقواهم ومحبتهم المتبادلة ورهافة ضميرهم والتحلّى بالصدق والاستقامة، مهما تغيّرت وتبدّلت ظروف الحياة. ما أعظم وأجمل الأهل عندما يساعدون أبناءهم على التحلّى بروحٍ صافية تناجى السماء، وقلبٍ إنسانى ينبض بعواطف النُبل يعطفون به على الأشخاص الذين يتقابلون معهم، وعقلٍ يغذَّونه بالعلم والثقافة، وصفاتٍ كريمة يفيدون بها المجتمع الذى يعيشون فيه. ولا يسعنا أن نقدّم الشكر والامتنان والتقدير لكل أمٍ وكل أب يقوم بدوره بأمانةٍ وإخلاص وتفانى من أجل النهوض بالأسرة والمجتمع والعالم أجمع. ونختم بكلمات الشاعر: «هيا احصدوا وانشدوا! الحُب قلبٌ ويدٌ!ّ والعمر زرع وجني!».
مشاركة :