تشهد دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم مرحلة من التطور والازدهار بفضل الرؤية الثاقبة لقيادتنا الرشيدة وتوجيهاتها ودعمها اللامتناهي لكافة الجهود التي تضمن مستقبلاً مشرقاً على المديين القريب والبعيد وبناء اقتصاد متنوع يسهم في تحقيق تلك الرؤية، وقد بذلت الدولة جهوداً كبيرة للحد من التغير المناخي ومكافحة آثاره السلبية عبر توفير فرص تنموية مبتكرة تسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي والنمو المستدام، بما في ذلك النمو المتسارع في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، والاستثمار الملحوظ في المدن المستدامة والأبنية الخضراء، إضافة إلى الزيادة المطردة للمساحات الخضراء والعناية بالمحميات الطبيعية، وإطلاق مجموعة من الاستراتيجيات والبرامج والمبادرات والمشاريع والآليات للتعامل مع آثار تغير المناخ. ويتزايد دور الإمارات على الساحة الإقليمية بشكل تصاعدي وسريع أمام تحديات تغير المناخ التي برزت مؤخراً وباتت تهدد بعض الدول، ولم يكن هذا التزايد وليد لحظة، وإنما جاء نتيجة حتمية لإدراك الدولة المبكر للمخاطر الكبيرة التي قد يتسبب بها تغير المناخ على كوكب الأرض مستقبلاً مثل ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات الرطوبة ومستوى سطح البحر وهطول الأمطار والظواهر المناخية المتطرفة كالأعاصير المدارية. ثلاثة أهداف لقد بذلت الدولة جهوداً جبارة للتخفيف من آثار ذلك التغير، بهدف حماية اقتصادنا وبيئتنا ومجتمعنا، وأولى تلك الجهود «الخطة الوطنية للتغير المناخي 2017 - 2050» التي وضعت إطاراً وطنياً متكاملاً لتوحيد كافة الجهود وتحديد الأولويات وسد الفجوات، وضمان التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، وتستند الخطة بصورة رئيسة على رؤية الإمارات 2021، والاستراتيجية الوطنية للتنمية الخضراء والأجندة الوطنية الخضراء 2030 - 2015، مركزة على ثلاثة أهداف أساسية، وهي إدارة انبعاثات غازات الدفيئة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي. وحققت الدولة تقدماً كبيراً في مجال حصر وإدارة انبعاثات غازات الدفيئة، باعتباره أول أهداف الخطة الوطنية للتغير المناخي، حيث تم وضع إطار موحد وشامل لقياس حجم الانبعاثات وإعداد التقارير، ووضع نظام متكامل للرصد والإبلاغ والتحقق بتطبيق أفضل الممارسات العالمية، واستحداث نظام وطني للمعلومات المناخية للاستفادة منها في دعم عمليات البحث العلمي والتنبؤ بتداعيات التغير المناخي على الدولة. إجراءات طوعية في ضوء ارتفاع معدل انبعاثات غازات الدفيئة على المستوى الوطني، بادرت الدولة إلى اتخاذ إجراءات طوعية للتخفيف من تغير المناخ، وتأتي هذه الإجراءات الاستباقية في إطار جهودها الرامية إلى وضع مهمة خفض تلك الانبعاثات والتحول إلى الطاقة النظيفة على رأس أولوياتها، فقامت في سبيل ذلك بتنفيذ حزمة واسعة ومتنوعة من الاستراتيجيات والخطط والمشاريع والمبادرات في مختلف المجالات. ومن أهم الاستراتيجيات الخاصة بخفض الانبعاثات، «استراتيجية الإمارات للطاقة 2050» والتي تستهدف تنويع مصادر الطاقة ورفع حصة الطاقة المتجددة والنظيفة في مزيج الطاقة الوطني لضمان تحقيق توازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية، «واستراتيجية أبوظبي لإدارة جانب الطلب وترشيد استخدام الطاقة 2030» الرامية إلى خفض استهلاك الكهرباء بنسبة 22% والمياه بنسبة 32% بحلول عام 2030، و«استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050» لتأمين 75% من احتياجات دبي من الطاقة من مصادر نظيفة بحلول عام 2050 وجعل دبي مركزاً عالمياً للطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر. مبادرات وطنية أما على صعيد مشاريع الطاقة النظيفة، فقد بدأت الإمارات بإطلاق مجموعة من المبادرات الوطنية واتخاذ سلسلة من التدابير لكبح التغير المناخي والتكيف مع تداعياته في مختلف القطاعات، تستند جميعها إلى استشراف المستقبل وتوظيف التقنيات والحلول المبتكرة وأفضل الممارسات، حيث دشنت في عام 2013 محطة شمس أولى للطاقة الشمسية في أبوظبي، بقدرة إنتاجية تبلغ 100 ميجاوات، ليكون بذلك أول مشروع للطاقة الشمسية في البلاد، تلاها تدشين المرحلة الأولى من مشاريع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، ثم المرحلة الثانية في عام 2017، ثمّ تنفيذ المرحلة الثالثة لتصل القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية في دبي عند تشغيلها في أوائل عام 2020 إلى أكثر من 1000 ميجاوات، وتشغيل محطة «نور أبوظبي للطاقة الشمسية» في أبوظبي عام 2019، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 1.177 ميجاوات تغطي احتياجات 90 ألف شخص، وتسهم في خفض الانبعاثات الكربونية بنحو مليون طن متري سنوياً، ومشروع براكة للطاقة النووية في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمفاعلات الأربعة 5.6 جيجاوات، وغيرها من المشاريع. مورد اقتصادي يمثل تحويل النفايات إلى طاقة أحد الوسائل المهمة في استراتيجية الإدارة المتكاملة للنفايات وتحويلها من عبء بيئي إلى مورد اقتصادي ضمن نهج الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر، كما يسهم أيضاً في خفض انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن قطاع النفايات وقطاع توليد الطاقة معاً، وقد بدأت الدولة بتنفيذ مجموعة من مشاريع تحويل النفايات إلى مصادر طاقة ووقود بديل، حيث بدأت الأعمال الإنشائية لمحطة الشارقة لتحويل النفايات إلى طاقة بقدرة تبلغ 30 ميجاوات عن طريق تحويل أكثر من 300 ألف طن من النفايات سنوياً، كما تم وضع حجر الأساس لمحطة تحويل النفايات إلى وقود بديل في أم القيوين عام 2019، بقدرة إنتاجية تبلغ 300 ألف طن من الوقود البديل المناسب للاستعمال، بديلاً للفحم في صناعة الإسمنت. ترشيد وكفاءة ترشيد استهلاك الطاقة وتعزيز كفاءتها من بين أهم الوسائل لخفض الانبعاثات، نظراً لكون توليد الكهرباء والمياه وقطاع النقل مسؤولان عن نحو ثلثي الانبعاثات الناتجة عن قطاع الطاقة، ولهذا تركز استراتيجيات ومشاريع الطاقة على هذين المجالين (الترشيد والكفاءة) بصورة كبيرة، وتتوزع الجهود في هذا المجال على حزمة واسعة من التدابير مثل تحرير أسعار الوقود، تحسين أنواع وقود المركبات، تطوير وسائل النقل الجماعي للركاب. العمارة الخضراء يعتبر قطاع المباني أكبر مصدر منفرد لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري على المستوى العالمي، وقد تبنت دولة الإمارات نهج العمارة الخضراء الذي يعتبر أحد الأدوات المهمة في هذا الجانب، خاصة في ظل النهضة العمرانية التي تشهدها الدولة، وتم تطبيق معايير هذا النهج بصورة إلزامية في كل من أبوظبي ودبي، بالإضافة إلى المباني الحكومية. «شمس دبي» تنفذ دولة الإمارات برامج عدة لتشجيع ملاك المنازل على تركيب ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وربطها بالشبكة العامة بما يحقق الفائدة للطرفين، ففي دبي أطلقت هيئة كهرباء ومياه دبي مبادرة «شمس دبي» التي تهدف إلى تشجيع أصحاب المنازل والمباني على تركيب لوحات كهروضوئية لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، واستخدامها داخل المباني مع تحويل الفائض إلى شبكة الهيئة، وفي أبوظبي أطلقت دائرة الطاقة في أوائل عام 2017 مبادرة مماثلة، وأصدرت إطاراً تنظيمياً لتركيب الألواح الشمسية الكهروضوئية صغيرة النطاق، ينظم تركيب الألواح الشمسية في الوحدات السكنية. يمثل البرنامج الوطني للتكيف المناخي الهدف الثاني للخطة الوطنية للتغير المناخي 2017 - 2050، ويسعى لأن تكون دولة الإمارات أكثر دول العالم استعداداً لمواجهة تداعيات ظاهرة التغير المناخي، وذلك بوضع الأسس الضرورية لاتخاذ الإجراءات التي تضمن مرونة ومتانة مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في مواجهة هذا التغير، كما سيسهم البرنامج في تقييم موسع وشامل للآثار الاقتصادية والاجتماعية التي قد يُحدثها تغير المناخ على مستوى الدولة، ورفع الوعي بمخاطره وأهمية التخطيط للتكيف في القطاعين الحكومي والخاص، ووضع برامج لهذا التكيف تشمل جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الوطني وغيرها. تنويع اقتصادي تعزيز التنويع الاقتصادي في الدولة من خلال تبني حلول مبتكرة بمشاركة القطاع الخاص هو الهدف الثالث للاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي، ويستهدف زيادة انخراط القطاع الخاص في عملية التنمية بشكل عام، والتغير المناخي بشكل خاص، وذلك من خلال توفير أنظمة وحوافز فعالة ويعتبر القطاع الخاص رافداً مهماً للابتكار في معالجة تحديات التنمية المستدامة على المستوى العالمي، إذ يمتلك خبرات وإمكانات هائلة لتوفير الحلول في مجالي التخفيف من التغير المناخي والتكيف معه، وتحويل ما يشوب ذلك من تحديات إلى فرص استثمارية تجعل اقتصاد الدولة أكثر تنوعاً وابتكاراً، وفي ذات الوقت، أكثر قدرة على التعايش مع آثار التغير. تمويل المشاريع المستدامة يُعد تمويل المشاريع المستدامة أحد الآليات، حيث تُروّج وزارة التغير المناخي والبيئة ومصرف الإمارات المركزي، منذ 2016، لمفهوم تمويل المشاريع المستدامة في إطار إعلان دبي بشأن التمويل، والذي تم إطلاقه بالتعاون مع الآلية المالية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وحتى الآن وقعت أكثر من 32 مؤسسة مالية تمارس نشاطها في الإمارات على الإعلان، الذي يتضمن التزاماً طوعياً بالنهوض بدور حيوي في قطاع التمويل والمساهمة في تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد أخضر ومستدام، بالإضافة إلى جهات عدة مختصة بشأن التمويل المستدام، مثل مجموعة أبوظبي للاستدامة في هيئة البيئة، وشبكة غرفة دبي للاستدامة، والمجلس الاستشاري للقطاع الخاص في اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة، وغيرها الكثير. مجلس الإمارات للتغير المناخي ضمن الآليات الحكومية الاستباقية التي اتخذتها دولة الإمارات للجم تداعيات تغير المناخ، تتمثل في تبادل المعرفة وتعزيز الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص، حيث انبثقت عنها تشكيل مجلس الإمارات للتغير المناخي والبيئة برئاسة وزارة التغير المناخي والبيئة مع إشراك أعضاء من الحكومة المحلية والاتحادية والقطاع الخاص، بهدف مشاركتهم في اقتراح السياسة العامة للدولة بشأن تغير المناخ والبيئة والتنمية الخضراء، ومن بين مهام المجلس اقتراح الأسس العامة للخطط والمشاريع العامة والقطاعية للتخفيف من التغير المناخي والتكيف مع آثاره، كما يشرف على تنفيذ استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء، ومواءمة الاستراتيجيات الاتحادية والمحلية، وتشجيع مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، علاوة على تحديد موقف الدولة في المفاوضات الدولية والإقليمية، وتعزيز وتطوير الدراسات والبحوث العلمية في المجالات ذات الصلة باختصاصات الوزارة. المجلس البيئي الاقتصادي يُعد المجلس البيئي والاقتصادي الذي يعمل تحت مظلة وزارة التغير المناخي والبيئة، واحداً من ضمن الآليات المشار إليها أعلاه، ويهدف إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المشاريع الرائدة لتضمينها في المساهمات الوطنية للدولة في ملف تغير المناخ، وإشراكهم في الخطط المبتكرة والمتقدمة لتحقيق أهداف الخطط الاستراتيجية الوطنية. وتتيح الشراكة بين القطاعين العام والخاص الاستفادة من الاستشارات وأفضل الممارسات التي يقدمها القطاع الخاص، وتوفير الدعم الاستشاري للوزارة لتعزيز وتحسين مجال الخدمات المقدمة للقطاع الخاص وقطاع الأعمال وتوسيع مستويات التعاون والشراكة في المجال التجاري والاقتصادي بين القطاعين الحكومي والخاص.
مشاركة :