يصف رولان بارت الرواية بأنها فعل اجتماعي النزعة، وهي بهذا المعنى أثر مكتوب يحاكي جملة من التحولات الاجتماعية التي تتمحور في معنى اللغة والكتابة والقراءة، وعليه فإن الجانب الاجتماعي هو أحد البنى الموضوعية والأساسية التي تحضر في كل عمل روائي، ويمكن استيضاح ذلك من خلال الأعمال الكلاسيكية التي تركها كبار الكتاب كتولستوي ودوستويفسكي وديكنز وفيرجينيا وولف وغيرهم، هذه الأعمال التي قدمت وصفا شاملا للمجتمع في مدة زمنية محددة. لقد سعت الرواية الإماراتية منذ نشأتها إلى تصوير الحياة الاجتماعية، وتناقضاتها عبر الفترات الزمنية المختلفة، التي شهدت فيها الدولة تحولات كثيرة على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي وحتى على الصعيد الديمغرافي، الأمر الذي ترك أثراً واضحاً في منظومة القيم والعادات والتقاليد، وبروز أنماط معيشية جديدة لم تكن مألوفة في السابق، وقد واكب الكتاب الإماراتيون مسيرة هذه التحولات من خلال نصوصهم التي عالجت القضايا الاجتماعية ومشكلات الحياة ومواقف الإنسان منها، في ظل التطور السريع الذي طرأ على كافة نواحي الحياة. ويبرز المعطى الاجتماعي في الرواية الإماراتية بوضوح، كما في رواية مزون لمحمد عبيد غباش، والتي تتناول أزمة المثقف في التعامل مع واقع لا يستجيب لطموحاته، من خلال شخصيات الرواية والتي تعاني تناقضات كثيرة فرضتها مجموعة التحولات الاقتصادية والقيم الجديدة التي بدأت بالتشكل، وحول هذه الرواية يقول الناقد عزت عمر في كتابه توجهات الخطاب السردي في الرواية الإماراتية والعربية المعاصرة: إن الأدب الإماراتي غالباً ما يصور الحداثة كأنها وحش لا تطاق مغالبته، هبط من فضاء ما، وراح يجتث العلاقات الاجتماعية التي كانت قائمة على قيم المحبة والتكافل والخير، ليؤسس لحياة فردية لا تكترث بهذه القيم، حياة دأبها نشر القيم الجديدة، ومن هنا فإننا نلاحظ في رواية مزون بعضاً من هذا النزوع الحنيني تجاه الماضي، وإلى ذلك سنتلمس من قبل السارد موقفاً غامضاً من مجمل عمليات التحديث التي طالت البنى الاجتماعية والثقافية والعمرانية. وفي نفس السياق تأتي رواية أحداث مدينة على الشاطئ لمحمد حسن الحربي، التي تتناول الإنسان المقهور وتنتصر له، عبر جملة المشاهد والأحداث التي يمر بها سكان مدينة المريبضة (وهي المدينة المتخيلة والتي تدور فيها الأحداث)، حيث ترصد الرواية علاقة المكان الجغرافي وأثره في المكون النفسي والثقافي للفرد، والعلاقة الجدلية بين المكان والإنسان وتأثيرهما على بعضهما بعضاً. كما كان لمجمل التحولات الاقتصادية الاجتماعية الحديثة أثر في تجربة الرواية النسائية الإماراتية، حيث كانت الرواية والأشكال السردية الأخرى، أحد المنافذ للمرأة الإمارتية للتعبير عن مشكلاتها وهمومها المعيشة يومياً، إضافة إلى الهموم ذات البعد العام التي تتعلق بالمجتمع وحياة المرأة فيه. وتعتبر رواية عيناك ياحمدة لآمنة المنصوري، مثالاً واضحاً على هذه التجارب التي طرحت مشكلات المرأة مع الرجل، وعبرت عن الأسى والحزن والحالة النفسية السيئة التي تتركها العادات والتقاليد في حياة المرأة منذ طفولتها، وعبر بطلتها حمدة تسرد الكاتبة هذا الواقع والصراع مع المجتمع، والصراع الذاتي للبطلة بين الواجب الأخلاقي ومحاولة التحرر والهروب من واقع آلي كابدته منذ الطفولة، ورغم أن الواقع الذي تتحدث عنه الكاتبة قد اندثر نسبياً، إلا أن آثاره السلبية لا تزال ماثلة حتى يومنا هذا. وفي حلم كزرقة البحر لأمنيات سالم، تأخذ الرواية شكل السيرة الذاتية، حيث تكشف الساردة سيرة حياتها من خلال استذكارها لطفولتها المتعلقة بالمكان ورائحته، والصورة الذهنية التي حفرت في عقلها ومخيلتها عن الحياة الاجتماعية قبل أن تغادر مكان الطفولة، لتعود في ما بعد وتجد كل شيء تغير، حيث ترصد سالم في هذه الرواية الظروف القاسية التي فرضتها قيم المدينة الحديثة، وهموم المرأة المعاصرة في عصر العولمة، هذا العصر الذي فرض قيوداً جديدة من نوع آخر على المرأة. كما يمكن الإشارة إلى حضور الرواية الاجتماعية في الكثير من الأعمال الأدبية الإماراتية، كرواية أوجه المرايا الأخرى لفاطمة السويدي، وسلايم لعلي أبو الريش، وطوي بخيتة لمريم الغفلي، وتثاؤب الأنامل لرحاب الكيلاني، وقميص يوسف لسلطان فيصل الرميثي.
مشاركة :