صناعة السيارات في السعودية والتحدي الكبير في نقل وامتلاك التصنيع المحلي

  • 4/3/2021
  • 19:03
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كما هو معروف بأن السيارة كمنتج تتربع على عرش السلع العالمية ذات التنافسية القوية بمعنى أنه إذا أراد شخص أن يشتري سيارة فسوف يكون لديه الكثير من الخيارات العالمية.هذا المفهوم لصناعة السيارات يضعنا أمام الأساس والقاعدة الكبيرة والمعقدة لطبيعة وإلزامية التشابك والترابط في العلاقات العالمية وسلاسل الإمداد وسلاسل التوزيع واللوجستيات العالمية، ولنجاح سلاسل الإمداد فإن صناعة السيارات تعتمد على كثير من شركات التزويد العالمية كما تعتمد على البيع والتوزيع العالمي. من هذا المنطلق فإن أي شركة لصناعة السيارات لا تستطيع أن تستقر وتنمو بل لا تستطيع أن تبقى على قيد الحياة بدون التصدير للخارج الذي يحتم على شركات صناعة السيارات أن تراعي عنصرين رئيسيين في نجاح الشركة من عدمها هما: 01 الاعتماد وتبني مقاييس الجودة والتصاميم العالمية.02 السعر المنافس للوصول إلى المستهلك النهائي.لذلك فإن هذين العاملين يحتمان على شركة صناعة السيارات أن تتبع سياسات قاسية لاحتواء وكسب أسواق جديدة ومستخدمين وفئات مستهدفة جديدة. ولتحقيق هذا النجاح فإن شركات صناعة السيارات تعمل بدون كلل ولا ملل وبجهود جبارة لزيادة الطاقة الاستيعابية للمصانع، حيث إنه كلما زاد الإنتاج استطاعت أن تحقق النسبة العظمى من الشرطين والعنصرين السابقين (الجودة والتنافسية) ومن هذا المنطلق ولتحقيق الانتشار الواسع لأي مصنع سيارات فإن إنشاء المصانع الجديدة تتبع أساليب ومفاهيم محددة ومعروفة في البيئة الصناعية العالمية والخاصة في الصناعات المعرفية (المنتجات الاستهلاكية)، ولفهم هذه الصناعة الأعظم في العالم فإن صناعة السيارات تنطلق من وجهتي نظر أو بمعنى آخر هناك مساران كبيران في البدء في تصنيع السياراتالمسار الأول (الاستغلال الخارجي): -وهو المسار الذي يبدأ في رغبة إحدى الشركات العالمية لصناعة السيارات من منطلق الاستفادة من السوق لعدم وجود المنافس المحلي واستغلال توفير الطلب عن قرب وهذه الشركات يكون لديها الخبرة الطويلة في الإنتاج وتوفر سلاسل الإمداد وكذلك شبكات الوكلاء والموزعين وتكون قد أسست اسما وسمعة وثقة في السوق لدى المستهلكين.وهذه تتبع قسمين أو مرحلتين وهما:-01 التجميع الصناعي بنظام التركيب من أجزاء نصف مفككة (Semi Knocked Down) (SKD).02 التجميع الصناعي بنظام التركيب من أجزاء مفككة بالكامل (Completely Knocked Down) (CKD).وعادة الشركات التي لديها الخطط في التوسع في مناطق جديدة تبدأ بالقسم الأول والذي يعد المرحلة الأولى؛ حيث إن هذا القسم لا يتطلب أي نقل معرفة ولا نقل تقنية بحيث لا يوجد استثمارات في البحث والتطوير، فهوا أشبه ما يكون في القناة التسويقية أو البيعية للاستفادة من الضرائب الجمركية أو المنح الحكومية لتغطية أسواق بعينها؛ حيث إذا انتفت هذه الفوائد فإن الإغلاق لا يكون ذو تكلفة عالية وكذلك حقوق الملكية (Intellectual Property) (IP). والتصميم للمنتجات تكون محفوظة ولم تنتقل إلى أي شركة أخرى، وهذه موجودة في المملكة العربية السعودية بمرحلتها الأولى (SKD) والذي تتطلب فقط ورشة واحدة وهي ورشة التجميع والتركيب النهائي مثل (شركة مرسيدس للشاحنات الكبيرة بجدة وشركة إيسوزو للشاحنات المتوسطة بالشرقية وشركة مان للشاحنات الكبيرة بجدة) وعادة تكون للشركة الأم ملكية بنسبة 100% إلا في حالات استثنائية لضمان المبيعات المحلية بحيث لا تقل عن 50%. ومع الأسف لم يوجد في المملكة أي شركة في نظام (CKD) أو المرحلة الثانية والذي تتطلب ورشة الكبس وورشة اللحام وورشة الدهان بصورة كبيرة.لذلك فإن جميع الشركات العالمية عندما ترغب أن تنشئ مصانع للسيارات خارج بلدها تتبع نظام وطريقة هذا المسار والذي يتبنى ويعتمد على المعطيات التالية:-01 لا يحتاج تبني وتأسيس خطوط التزويد (Automotive Tiers 1 & 2 Suppliers).02 لا يحتاج لتأسيس مراكز للبحث والتطوير (R & D).03 يعتمد على عدد قليل من الموظفين.04 يهتم برؤية واستراتيجيات الشركة الأم بالخارج فقط وليس الدولة التي فيها المصنع05 لا يعمل ولا يهتم بنقل التقنية للبلد الذي فيه المصنع حيث إنه يريد حماية حقوق الملكية وعدم مشاركتها مع أحد.هذه النقاط والعوامل المتبعة لشركات تصنيع السيارات العالمية تجعل من هذا الأسلوب وحصره في كونه قناة بيعية وتسويقية أكثر من كونه تصنيعا ونقل تقنية.كذلك فإن هذا النوع من النماذج لا يشترط وجود سلاسل الإمداد المحلية ولا يرغب في تطويرها بحيث قد يتعارض مع الموردين المعتمدين في بلده الأصلي من حيث قيمة وكمية الإنتاج، وكذلك قد لا يتحقق مستوى الجودة المطلوب في الشركات المحلية.المسار الثاني (المبادرة المحلية): -أما الطريقة والمنهج الثاني في صناعة السيارات وهو رغبة الشركات المحلية والدولة في الدخول إلى نادي الكبار في صناعة السيارات؛ حيث تمثل قاطرة نمو الاقتصاديات وخلق صناعات مكملة لها مما يسهم في زيادة الناتج المحلي ويسهم في خلق وتوليد الوظائف الجديدة كل عام.وفي تبني وتأسيس صناعة السيارات بهذا المسار من خلال المبادرات المحلية فإنه سوف يمر ويتبع الأنظمة والمراحل الثلاث التالية:-01 نظام التجميع شبه الكامل (نصف مفككة) (SKD) وهذا من جهة الشركة المحلية بصورة الحصول على حقوق ترخيص صناعي لمدة محددة ولا يشترط أن تكون الشركة المانحة للرخصة تملك أي نسبة من ملكية الشركة المحلية، كذلك فإنه سوف يتحقق نسبة 30% محتوى محلي مع وصول الإنتاج في هذه المرحلة إلى 30 ألف سيارة في السنة، وفي هذه المرحلة سوف يكون من الشروط الذي تقدمها الشركة المانحة للرخصة بناء قدرات ومهارات البحث والتطوير (R&D) بحيث سوف تكون الشركة المحلية من المشاركين في تطوير المنتجات الجديدة بمرحلة التصميم (Face Lift) وكذلك مرحلة الترفيع وتغيير شكل المنتج (Upgrade) والذي سوف يسهم في تكوين الملكة الفكرية والإبداعية لدى الشركة المحلية.02 نظام التجميع الكامل (مفككة بالكامل) (CKD) وهذا امتداد للمرحلة السابقة لكن بصورة أكبر؛ حيث سوف تتوفر كل ورش التصنيع الأربعة (الكبس واللحام والدهان والتجميع) بالإضافة إلى حلبة ومسار الفحص والاختبارات للقيادة وكذلك استثمار يصل من 5 – 10 أضعاف المرحلة السابقة (حسب الطاقة الاستيعابية وعدد المنتجات المرخصة) وفي هذه المرحلة وعند وصول الإنتاج إلى طاقة 150 ألف سيارة بالسنة سوف تتحقق الميزات والفوائد التالية :-a. محتوى محلي لا يقل عن 50% b. تطوير وبناء شركات سلاسل الإمداد بعدد لا يقل عن 300 شركة في مستوى الخط الأول ومستوى الخط الثاني (Automotive Tier 1 & Tier 2 Suppliers). c. توطين وتنمية مركز البحوث والتطوير والتصميم للسيارة وأجزائها بنسبة لا تقل عن 50% بالشراكة مع الشركة المانحة للرخصة. d. توفير عدد لا يقل عن 100 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة محليا. e. المساهمة في نسبة 3– 5 % من الناتج المحلي (GDP). f. تصدير نسبة لا تقل عن 40% من كمية الإنتاج. 03 نظام التصنيع والتجميع النهائي (Full Scale Manufacturing “FSM”)، وهذا امتدادا لمرحلة (CKD) السابقة إلا أنه ينعتق ويخرج من الترخيص الصناعي حيث إن هذه المرحلة هي ثمرة وتتويج للمراحل السابقة من حيث توطين وامتلاك التقنية للوصول في هذه المرحلة إلى تملك الحقوق الفكرية (Intellectual Property “IP”) للتصميم والأداء والشعارات وكل ما يتعلق بمظهر وأداء السيارة، حيث إن جميع السيارات سوف تحمل الماركة التجارية المحلية والذي سوف تكون هي مركز ونقطة الفخر الوطني في المبيعات المحلية والتصدير الخارجي، وفي هذه المرحلة وعند الوصول إلى إنتاج 250 ألف سارة بالسنة سوف تتحقق الميزات التالية:-a. محتوى محلي لا يقل عن 80%. b. امتلاك وبناء مصنع وتجميع المحرك والذي يعتبر هو زبدة وقمة تقنيات صناعة السيارات. c. تطوير وبناء شركات سلاسل الإمداد بعدد لا يقل عن 600 شركة في مستوى الخط الأول ومستوى الخط الثاني (Automotive Tier 1 & Tier 2 Suppliers). d. توطين وتنمية مركز البحوث والتطوير والتصميم للسيارة وأجزائها بنسبة 100%. e. توفير عدد لا يقل عن 150 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة محليا. f. المساهمة في نسبة 5 – 10 % من الناتج المحلي (GDP). g. تصدير نسبة لا تقل عن 40% من كمية الإنتاج. هذه المسارات وهذه الأنظمة تبين لنا كيف نكون جزءا من مصنعي السيارات في العالم والذي إذا لم يتم فهمها بالطريقة الصحيحة سوف يكون لها الأثر في تأخر توطين هذه الصناعة، لذلك فإن معضلة الدول النامية والصاعدة اقتصاديا والمهتمة في توطين هذه الصناعة في كون أن السيارة تمثل سلعة عالمية وأن كبار مصنعي السيارات في دأب وتخطيط للحيلولة دون دخول لاعبين جدد والذين بدورهم سوف يشكلون خطرا على أسواق الكبار العالمية وذلك خصما من حصصهم السوقية في جميع القنوات المتاحة للتسويق.وفي ظل هذا المناخ التنافسي غير المتكافئ، فإن الدول التي استطاعت تحويل هذه المعضلة لصالحها، قد اتخذت منهج المسار الثاني والذي يوضح ويبين سياسة نقل وتوطين التقنية بالمراحل الثلاث المعتمدة (Technology Transfer). مع الأخذ في الاعتبار فكرة عدم التصادم مع الكبار وإيجاد معادلة بديلة لكسر هذا الاحتكار ودخول عالم مصنعي السيارات وذلك من خلال البحث عن شريك استراتيجي يرى رغبة هذه الدولة كفرصة له للنمو والتوسع في أسواق جديدة؛ حيث إن دخول هذه الدول الراغبة في صناعات السيارات لا يشكل تهديدا عليه بشكل مباشر. ومن النماذج التي عملت على هذه المعادلة البديلة لتوطين صناعة السيارات ونقل التقنية، هما دولة ماليزيا والصين.ومن خلال تجربتنا في صناعة السيارات، فإننا نؤمن بأن اختراق لعبة الكبار في صناعة السيارات قد حتم علينا أن نقوم بدراسة المعرفة التراكمية لتطور صناعة السيارات خلال السنوات الماضية وذلك لإيجاد المعادلة البديلة التي تناسب المملكة العربية السعودية في توطين صناعة السيارات ونقل التقنية وذلك من خلال التركيز على بناء منظومة موردي سلاسل الإمداد بجميع مستوياتها (Tier1, Tier2 & Tier3)، وإدماج المواد الخام التي تذخر بها المملكة ضمن معادلة التصنيع.

مشاركة :