لم تعد الصحف مصدراً رئيسياً للأخبار مثلما كان الوضع قبل ثورة الميديا، إذ فرض رتمها السريع واقعاً افتراضياً يعج بألاف المواقع الالكترونية المتخصصة في تقديم الأخبار ، وازدحم فضائها بالمئات من برامج وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل لنا الأخبار والمستجدات بالصوت والصورة . ولا غرابة بأن يتحول العديد من هواة “السوشل ميديا” إلى نجوم لامعة في فضائها اللامتناهي، بفضل التقنية الحديثة التي قفزت بهم كافة الحواجز والعراقيل لتضعهم بمواجهة الجمهور وجهاً لوجه بشكل عفوي ومباشر . لذلك أعتقد أن المنافسة بين الصحف التقليدية ونجوم “السوشل ميديا” على ملاحقة الأخبار وتقديمها للجمهور، انتهت لصالح الهواة ذوي الإمكانيات البسيطة والمدفوعين بحماسهم ورغبتهم في صناعة الأحداث الإعلامية التي تدور من حولهم . لكن نقل الأخبار والتعليق عليها من قبل الهواة ليس إلا تطوراً جاءت به التقنية الحديثة لتدفع بتلك الأصوات المهمشة إلى صدارة المشهد الإعلامي دون أن تمتلك حصيلة جيدة من العلم والمعرفة . أما السلاح الوحيد الذي ظل بجعبة الصحف التقليدية إلى يومنا هذا هو سلاح مقالات الرأي ، فأهم الصحف العالمية بقيت صامدة إلى الوقت الراهن أمام سطوة الإعلام الجديد ليس لأنها تقدم مادة إخبارية ذات محتوى دقيق من المعلومات ، بل لأنها أدركت أهمية استقطاب كتاب من مختلف التوجهات والمشارب بهدف إثراء المحتوى الذي تقدمه للمساهمة في تشكيل الرأي العام من خلال تنوع الآراء واختلاف وجهات النظر على متون صفحاتها . وهنا تتجلي أهمية مقالات الرأي ذات المضامين العميقة والتي يحاول الكاتب من خلالها سبر أغوار الأزمات والقضايا بتروي وإمعان وهو ينقب في جوانبها المختلفة مدفوعاً بروح الباحث الذي يتلمس الدروب والمسالك بهدف الوصول إلى أكبر قدر من العقلانية في طرحه واستنتاجه . أجزم بأن أغلب المجتمعات الممزقة بالحروب والتخلف المعرفي والحضاري هي بالضرورة مجتمعات لا تولي أهمية لقادة الفكر اللذين بإمكانهم رفع درجة الوعي عبر آرائهم وأطروحاتهم حول الاشكاليات والعوائق التي تحد من تطور مجتمعاتهم، فضلاً عن قدرتهم على تشخيص الواقع الذي يعيشونه بكل سلبياته و إيجابياته . رأي عيد الظفيري a.aldaferi@saudiopinion.org
مشاركة :