توازن القوى سابقا بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية حقق استقرارا نسبيا على مستوى العالم، ليتعرض الاتحاد السوفيتي لرياح جامحة عصفت به، فتتت أوصاله، وزعزعت مكانته، وأضعفت هيبته، لتنفصل عنه الكثير من الدول باستقلالية تامة. كل ذلك كان في مصلحة أمريكا، لتكون لها السيادة العالمية بانفرادها كقوة وحيدة تتسنم قمة هرم القوى العالمية، ومن سنن الحياة عدم استمرار بقاء أي دولة مهما بلغت شأوا من النفوذ والهيمنة لتنحدر ذات يوم ليكون مجال الصعود مهيأ لدولة أخرى، ومن صفحات التاريخ نعرف أن بريطانيا كانت لها سطوة عالمية ونفوذ في كل فجاج الأرض، ليطلق عليها اسم الدولة العظمى التي لا تغرب عنها الشمس، وقبلها ألمانيا التي استغلت ذلك الجبروت العسكري بمحاولة السيطرة على العالم لتتم الإطاحة بجيش هتلر. هكذا تتبدل موازين القوى، لتنهض قوة جديدة في الشرق هي الصين، التي فرضت نفسها كقوة اقتصادية بنهضتها في المجال الصناعي ومنتجها المنتشر في معظم الأسواق العالمية. جاء هذا التفوق الصيني على مراحل، حيث كانت البداية بالاعتماد على «التكنوقراطيين» في حل مشكلاتها المزمنة، بضرورة الانتقال من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي، ومع التوسع في فتح الطرق التجارية والسماح بالاستثمارات الأجنبية، ساعدها على تدفق الأموال من قبل المستثمرين الذين ينظرون إلى مفاتيح النجاح كتوفر العمالة الرخيصة والمهارة الإنتاجية العالية وارتفاع مستوى التكنولوجيا والإيجارات المنخفضة، وتوفر البنية التحتية الجيدة وضمان الأرباح، وهكذا ليكون اقتصادها هو الأسرع نموا في العالم، والأكبر تصديرا واستيرادا. زيادة على ذلك امتلاكها ترسانة نووية يعززها جيش هو الأكثر في العالم، وحضورها القوي والمؤثر في مجلس الأمم المتحدة، ليتم وصفها بأنها –أي الصين- أقوى محرك للنمو الاقتصادي العالمي بما يزيد على الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف. العقلية الصينية تؤسس جبهة جديدة في مجال التنمية الاقتصادية العالمية بتمويلها مشروع «مبادرة الحزام والطريق» أو «طريق الحرير» لتكون لها شبكة اقتصادية مع كل أرجاء الأرض، هذا الحضور الصيني المذهل حتما سيزيدها في قادم الأيام تنافسا كبيرا مع الولايات المتحدة ليتحول إلى صراعٍ طالوتي جالوتي، والسؤال من سيكون المتسيد على العالم؟.
مشاركة :