بتصوري أننا لو سألنا مجموعة من الأولاد والبنات من أبناء مجتمعنا عما يرغبون أن يصبحوه في المستقبل، لكان جواب أكثرهم أن يصبح أحد مشاهير «السوشال ميديا» بغض النظر عن مجال أو محتوى ما يقدمه هذا المشهور الذي يحلمونه. وأنا حقيقة، لا ألومهم بالمطلق، فمشاهير الميديا ووسائل التواصل لا يحصلون على المال والشهرة فقط، وإنما يتم تقديمهم من خلال المنابر الإعلامية والحكومية وفي المناسبات والمحافل الرسمية كنجوم اجتماعيين وكفاعلين ومؤثرين، وأحيانًا يتم تقديمهم كسفراء لجهات حكومية في العديد من المحافل المحلية والدولية المهمة، وهذه كارثة أن تتم بهذا الشكل العشوائي وغير المدروس من وجهة نظري. فإبراز نماذج معينة وتقديمها لتمثّل القدوة في المجتمع، هو أمر في غاية الخطورة، تعمل عليه الدول بعناية وتوليه أهمية كبيرة، لكون هذه النماذج تقوم بتمرير الثقافة المجتمعية للأجيال اللاحقة بطريقة انسيابية فاعلة وغير مباشرة. فالمجتمعات البشرية، ومنذ بداية تشكّلها عبر التاريخ، عملت وبشكل نفعي وغير واعٍ على صناعة نماذج معينة تمثّل حاجاتها وما تتطلع إليه من أجيالها اللاحقة، وقامت بإبرازه وتقديمه في سلّم المكانة الاجتماعية، ليكون النموذج الأمثل الذي ترغب من هذه الأجيال الاقتداء به والمشي على خطاه، ليحصلوا على المكانة الاجتماعية والاحترام الجمعي من قبل محيطهم الاجتماعي، ولضمنوا بالتالي استفادة هذا المجتمع واستمرارية ثقافته التي يرغب بإعادة تدويرها من خلالهم. لذلك حرص كل مجتمع على إبراز أفضل نماذجه وقصص نجاحه الفردية وتقديمها كنماذج جاهزة ليقتدي بها النشء. فهل نحن بالفعل نرى أن نجوم الميديا ومهرجي وسائل التواصل هم النماذج الأفضل التي نرغب بأن تقتدي بهم أجيالنا الناشئة؟ وإن كنا لا نؤمن بذلك، فلماذا تقوم مؤسساتنا بعمل ذلك وبهذا الشكل المستمر؟. هل هو الجهل بخطورة ذلك؟ بتصوري نعم، فالانفتاح التقني والحضاري السريع والكبير كان ولا يزال أكبر من إدراكنا، وأكبر من قدرتنا على التعاطي معه ولو بقليل من الوعي.
مشاركة :