لا شك بأن هناك فروقات عقلية واضحة ما بين الأفراد في المجتمع الواحد وفي الأسرة الواحدة أيضًا، مع ذلك تبقى هذه الفروقات محدودة ومحصورة في جوانب معينة، لأن هناك صفات وطرائق تفكير سائدة في كل مجتمع بالشكل الذي يجعل أفراد هذا المجتمع يتشابهون كثيرًا في رؤيتهم للأشياء وللأفكار وتقييمها ومدى تقبّلهم لها. فآلية التفكير أو ميكانيزما العقل تسبق التفكير ومخرجات هذا العقل، وهذه الآلية أو الميكانيزم هي نتاج للثقافة السائدة والمحيطة بالعقل أثناء تشكّله، وهي تختلف من ثقافة إنسانية إلى أخرى، ومن هنا نجد ما يمكننا تسميته بعقل تحليلي أو عقل تسليمي كصفة سائدة لآلية التفكير في مجتمع أو ثقافة ما. ولذلك نجد في المجتمعات التي لا تزال يسود لديها الموروث والأسطورة والقداسة تتصف بآلية تفكير تسليمية لدى أفرادها، بعكس المجتمعات التي يغلب فيها الجانب المعرفي والعلوم التجريبية والتي تكون آلية التفكير لديها تحليلية. هذه الآلية بالتفكير تنعكس على قبول العقل للأفكار أو رفضها، وعلى رأس هذه الأفكار فكرة الميتافيزيقيا أو ما وراء العقل، والتي تجد لها سوقًا كبيرة في المجتمعات البسيطة والمغلقة بشكل مبالغ فيه، ولدرجة قد تكون معطّلة للعقل والمنطق بشكل كبير. والمتأمل في المجتمعات العربية يجد بأن لبعض الخرفات والأساطير قبولًا جيدًا يزداد في المناطق التي يقلّ فيها مستوى التعليم والدخل الاقتصادي والاستقرار السياسي، وكأن الإنسان العربي في هذه المجتمعات يهرب من واقعه القاسي إلى جملة من الأساطير والخرافات التي تمنحه شيئًا من الأمل والرغبة في مواجهة الحياة أكثر من أي شيء آخر. فهل هناك عذر لمجتمعاتنا العربية الأخرى التي تعيش في مستوى تعليمي ومعيشي واستقرار سياسي عالٍ في تداول الخرافات والأساطير وإعادة تدويرها للأجيال القادمة؟.
مشاركة :