هناك علاقة عكسية – لا شك فيها – ما بين الخرافة والعلم، فكلما ارتفع المستوى التعليمي في مجتمع ما، قلت نسبة تداول الخرافات وتأثيرها على حياة الناس ومعتقداتهم، والعكس صحيح. لكن المراقب للمجتمعات العربية وللحراك الاجتماعي والفكري فيها خلال العقود الأخيرة، سيجد أن ثمة ارتباكًا في هذه العلاقة في المجتمعات العربية بشكل عام، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه نسب التعليم بشكل هائل جدًا، وهبطت فيه نسبة الأمية لأرقام قياسية، فإن الخرافة والاعتقاد فيها لا يزال يمثّل جزءًا لا يستهان به من العقلية العربية المعاصرة، وبشكل ملفت، فلماذا؟. برأيي الشخصي، إن واحدًا من عدة أسباب ساهمت في ترسيخ الخرافة في العقل العربي لا يتسنى المجال لذكرها جميعًا، هو نوعية التعليم في الدول العربية. فالتعليم في المجتمعات العربية بمجمله هو تعليم تلقيني، والتعليم التلقيني لا يغذي عقلًا بل يعطّله، فهو لا يمنح للعقل البشري آفاقًا واسعة من التأمل والتدقيق ومساحة التفكير وحريته، ولذلك فإن مخرجاتنا التعليمية هي مخرجات مهنية بحتة وليست معرفية ولا فكرية بالمطلق، وبالتالي من البديهي أن لا يكون ثمة فرق بين المتعلم وغير المتعلم من حيث ماهية التفكير وآلياته ولا من حيث السلوك وطرائق المعيشة داخل المجتمع لدينا. فعقلية وأفكار ومعتقدات واهتمامات المتعلم والجاهل واحدة لدينا، وإن تغير المظهر الخارجي والقاموس اللغوي المستخدم بينهما. بهذه الكيفية بقيت الخرافة فاعلة كما هو الحال مع أفكار عديدة متوارثة لم تجد عقلًا قادرًا على تشريحها بمبضع العلم وبأدواته المعرفية، ولم تجد مجتمعًا قادرًا تبنى الفكر العلمي الذي يعتقد بأنه يمارس توطينه من خلال المدارس والجامعات التي تنتشر في كل مكان، ومع ذلك بقيت غير قادرة على إزالة أو تحطيم خرافة صغيرة واحدة تقع في إحدى زوايا العقل العربي المزدحم بالكثير منها.
مشاركة :