لاشك أن النخب الثقافية في العالم العربي تلعب دورًا رائدًا في المحيط الثقافي، بما يناط لها من أدوار تشكل واقعًا ملموسًا، وإن اختلفت تلك الأدوار عن الصورة الحقيقية التي يركن إليها هذا المجتمع أو ذاك، على اعتبار أن تلك النخب تشكل منظومة فيما بينها لها قوانينها المسنة التي سنّها مثقفوها، حتى تكتسب جمهورًا قريبًا يستطيع أن يلملم بعض الشتات هنا أو هناك من واقعها الثقافي. إن الدور الذي تقوم به هذه النخب العربية المثقفة نابعٌ من عقلية تطمح لصنع القرار الثقافي وترويج أكبر قدر ممكن من أفكارها، وبالتالي فهي ترى أنها المفتاح الأجدر لممارسة الثقافة الحقيقية، دون أن تفقد جزءًا من هويتها وسلطتها، فهي لا تقدم مشروعًا إصلاحيًا، شأنها في ذلك شأن النخب الدينية، أو مشروعًا إقليميًا كما لو كانت نخبًا سياسية، بل تسعى جاهدة لترسيخ العمل الثقافي في مجتمعاتها بما يحقق القيمة الثقافية وتأصيلها في الواقع، على الرغم من أن هذه النخب لا تستطيع بناء أفكار نموذجية مؤطرة بإطار الكمال. إن النخب الثقافية في العالم العربي تمر بأزمة قبول لدى الآخر، نتيجة للأفكار التي تحملها وتؤكد عليها ومعارضتها من الأطراف الأخرى، حيث إنها لا تمثل الصورة التي تعكس واقعها وتحولاتها، فالنخب لابد أن تؤمن بتلك التحولات التي تنخرط في المجتمعات العربية، تبعًا لحالات الإحباط والفقر والهجرة والحروب التي نشأت في هذه البلاد العربية نتيجة للفعل السياسي المخطط من الخارج غالبًا. في محاضرته يؤكد المفكر «علي حرب» أن أفكار النخب الثقافية لا تصنع العالم. حيث إن هؤلاء «الفاعلون الجدد» كما أطلق عليهم، في حالة تصادم مع كثير من الشعارات التي يطلقها الشعب غير القابل لتلك الأفكار التي تطرحها تلك النخب. إن واقع النخب الثقافية في العالم العربي في مأزق دائم، وستظل كذلك، إذا لم تتنازل عن جزء من قناعاتها وأفكارها، ولابد لها من بناء تمازج يقربها مع شرائح المجتمع كافة، وبالتالي تستطيع أن تبني فكرًا متزنًا وشعارًا ثابتًا لها.
مشاركة :