في خضمّ التمسك بأهداب القراءة كإحدى الأيقونات الملهمة نحو التقدم، وكثورة ضد الجهل المعرفي من أجل القضاء عليه، يتبادر إلى الذهن تساؤل لافت: هل ماراثونات القراءة اللاهثة هنا وهناك أحدثت في المجتمع التغيير المطلوب كما ينبغي؟. في الواقع مثلما هناك مثقف ومتثيقف أيضًا ثمة قارئ ومتصفح، والفاصل الحق بينهما سيما كل واحد منهما، وحتى لا نبخس القراء حقوقهم في الاختلاف والتميز عن بعضهم نطلق لهم عنان إبراز رؤاهم من تحليل المتناقضات والقدرة على بسط الرأي بحنكة ودراية، بعيدًا عن الترهات والعنصرية، كما يحصل في برامج وسائل التواصل الاجتماعي. بيد أن القارئ الملهم كثير التأمل من خلال مقروئيته، كثير المحاورة يثير الأسئلة ويطرح الحلول وهو من نحتاجه بالفعل. أما القارئ الذي يغمض عينيه أو كأنه يقرأ صفحات بيضاء تنتهي استفادته من الكتاب عند آخر صفحة، مكتفيًا بالتباهي بعدد الكتب التي قرأها أو بأنواع المراجع والمخطوطات النادرة التي تملأ رفوف مكتبته، مهتمًّا بالكمّ لا الكيف منحدرًا بمستوى الثقافة للأدنى! هذا النوع من القراء نقول له بالعقل الملآن: ثق أننا لا نحتاج أعداد كتبك بقدر ما نحتاج مشارب عقلك كقارئ حقيقي يحلل المتناقضات ويفهم الإشارات ويثرينا بالمعلومات، يربط المتشابه ويبرز الأفكار، لا يركن إلى استعراض عضلاته الفكرية بكتب تقبع في مكتبته ككنز محروس. عزيزي القارئ، إن لم تصنع جناحين من الكتاب الذي تقرأه وتحلق بها بعيدًا بعيدًا عما قرأتَ فلست بقارئ! فلم يكن الهدف من الأمر الإلهي «اقرأ» التكرار والترداد، إطلاقًا بعيدا عن الفهم والاستزادة، لذا لا بد أن تكون أهدافك أن تطلّ يومًا من خلال ما تقرأ على مستقبلك وحياتك، سيما أن الثورة المعلوماتية والانفجار المعرفي والتقني مغرٍ جدًا للمشاركة في صنع السلام لهذا العالم المترامي!. «فليسَ كُلُّ مَن يَجمعون الكُتب هُم مِن القُرَّاء الحَقيقيّين، لَكن كُلُّ القُرَّاء الحَقيقيِّين يَجمَعون الكُتب» العرفج، ويعدونها كنزهم الحقيقي فلا يبخلون عليها بمالهم ولا وقتهم لأنه يعتبرنها ثروتهم وهو حريصون على الاستزادة المعرفية بها. في المقابل لا نستغرب إن رفض بعضهم إعارة كتبه لأحد أو إن وضعوا شروطًا قاسية لمن سيستعير منهم كتابًا! لأنها أصبحت جزءًا من كيانهم يصعب التخلي عنه. حين نغرس في النشء منذ الصغر كيف يقرأون ليصبحوا قارئين حقيقيين سيتعلمون كيف ينتجون الأفكار الجديدة، ويتفاعلون معها، ويعبرون عنها فتحدث عملية الكتابة وهذا هو المغزى من القراءة.
مشاركة :