أحب الناس فأحبوه

  • 1/13/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

وكأن الموت لا يصطفي إلا الأخيار، رحل «نجيب» فبكته القلوب قبل الأعين، فإنك لا تعجب ممن عرفه فأحبه، هناك قلوب لا تحصى في كل أصقاع الأرض قرأت له فأحبته، وفجعت به فبكته، إنها ببساطة الإيجابية التي نثرها بسخاء طوال حياته، والحب اللامحدود الذي قدمه بدون مقابل لكل البشر. من يعرف الحبيب «أبا يوسف» يعلم أنه بحرٌ من المعرفة والثقافة والتاريخ وهذه الجوانب يعرفها قراؤه ومتابعوه، ولكن هناك جوانب أخرى، لا يعرفها إلا المقربون جدًا منه، فهو ليس فقط رجل أعمال ناجح وقيادي من الطراز الأول، بل إنه فنان ورسام للبورتريه بشكل مميز. يمارس هوايته بعيدًا عن الأضواء، ومن المواقف التي حدثت أثناء تواجدنا بأحد فنادق القاهرة قبل عدة سنوات، حينما لمح عامل المقهى في الفندق الذي نزلنا به بأن «نجيب» رسمه، وما هي إلا لحظات حتى أتى مدير الفندق مسرعًا يطلب من «نجيب» أن يرسمه هو أيضًا. ولكونه يسافر كثيرًا فقد كانت له هواية خلق صداقات متنوعة في كل أنحاء العالم يسميها «نجيب» أصدقاء الفضاء «cyber friends» وله قدرة عجيبة على استمرار التواصل معهم رغم انشغاله وارتباطاته، كما أن أكثرنا يعرفه كاتبًا باللغة العربية، لكنه أيضًا كاتب غير منتظم باللغة الإنجليزية في صحف دولية في سنغافورة وبعض الدول الأوربية والإفريقية. أختم هذه الخاطرة القصيرة عن الفقيد بقصة لها سنوات طويلة، وذلك عندما أبديت رغبتي بأن يكتب في صحيفة اليوم أثناء استلامي لإدارة مؤسستها -كان حينها يكتب في صحيفة عكاظ- وقد أرسلت له قصيدة أختار منها: جاءني الفرقد يسأل **      حالك اليوم صعيبا قد أسلت الأرض دمعًا ** وعلا الصوت نحيبا قلت دائي من صديق **    كان بالأمس قريبا ثم أضحى يتناءى **         للندا لا يستجيبا ساءني منه وعودٌ **        قل منها ما يصيبا يتوارى بدلالٍ **            وجفًا من غريبا أنصت النجم وقال **       إن من تعني نجيبا ذاك شخص لا يجارى **   تاجرًا.. فذًا.. أديبا كل طود شامخً ** عنده يبدو كثيبا وقد ختمت القصيدة بطلبي أن يكتب في «اليوم»، فلم يتردد -رحمه الله- وكتب خلال عدة سنوات أكثر من ألف مقالة وفي عدة زوايا وأبواب منها: اسألوني، ناصح الرشيد، نزهة في سبعة أيام. كان -رحمه الله- شخصية عظيمة ينشر الابتسامة والحب رغم معاناته الصحية في العقود الثلاثة الماضية، والآلام التي لا تغيب عنه كثيرًا بل إنه في الآونة الأخيرة كان يدخل المستشفى لأيام كل بضعة أسابيع ويحرص كثيرًا ألا يعلم إلا المقربون منه كيلا يزعج أحدًا. لديه أسلوب عجيب في جعل كل من يقابله أو يتحدث معه يشعر أنه أهم الناس وأقربهم لديه، إنها سر عظمة شخصيته التي صنعتها قمة التواضع. عرفت أبا يوسف -رحمه الله- لأكثر من خمسة وثلاثين عامًا، كنت كل يوم أتعلم منه الإيجابية ونشر المحبة، والسر الذي جعل الناس يجمعون على محبته يكمن في أنه «أحب الناس فأحبوه».

مشاركة :