الإهدار عندما يتحول إلى ثقافة اجتماعية

  • 4/8/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في تقرير دولي نشرت ملخصا له جريدة «أخبار الخليج» مؤخرا قبل فترة قصيرة تبين «أن البحرينيين هم الأكثر إهدارا للطعام بين العرب»، ولعل الأرقام التي جاءت في هذا التقرير تبدو مفجعة ومقلقة ومخجلة في نفس الوقت حيث بلغ مجموع ما تم إهداره من طعام في البحرين عام 2020م حوالي 146 ألف طن بقيمة تقدر بـ95 مليون دينار للطعام المهدور. هذا الرقم بغض النظر عن تفاصيله وآلية إعداده فإنه يؤكد أمرين في منتهى الخطورة: الأول: هو الكم الهائل من أطنان الطعام التي يتم إهدارها والثمن التقديري الكبير لهذا الإهدار الذي يقارب مائة مليون دينار يلقى به في القمامة أجلكم الله، وهذا أمر لم يرد في تقرير صحفي أو تقديرات وهمية بل صدر عن تقرير رسمي من برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي أشار إلى أن 913 مليون طن من الطعام تلقى في القمامة في العالم، وأن 64% من هذه القمامة هي للأفراد «قمامة منزلية»، وإن قسما مما يلقى هو من الأطعمة والأغذية المعدة للاستهلاك التي مآلها القمامة، ووجه الخطورة أن هذا الإهدار المنتظم قد جاء في زمن نتحدث فيه عن أزمات بل ونعيش فيه أزمات اقتصادية ومالية، فإذا كنا نشتكي من الأزمة ومن البطالة ومن شح الأموال وتراجع الدخول ومن غلاء الأسعار فإنه لا يقبل في نفس الوقت أن نكون في المركز الأول على الدول العربية في إهدار الطعام وبهذه الكمية المهولة وخاصة إذا علمنا أن جزءا من هذا الطعام المهدور تدعمه الدولة من ميزانيتها العامة، ما يعني أن الإهدار يشمل الأفراد والعائلات والمطاعم والمتاجر أي يشمل دعم الدولة للمواد الغذائية. الثاني: أن هذا الإهدار تحول تدريجيا مع السنين إلى ما يشبه المنهجية الحياتية والعرف بين الأفراد والمجموعات والعائلات حيث يمكننا أن نرصد على الأقل بعض الملاحظات التي يجب أن نلفت الانتباه إليها: - إن ما نطبخه من طعام في بيوتنا يزيد في غالب الأحيان على حاجتنا بمقادير مختلفة، والدليل على ذلك أننا يوميا نكرر نفس القصة مع أننا يوميا نجد ما يبقى من الأطعمة غير المستهلكة يقارب في بعض الأحيان ما استهلكناه في وجبات أخرى، وهذا دليل على أننا لا نعبأ بهذه الزيادة عن الحاجة ونترك الحبل على الغارب للخدم للتصرف بهذه الزيادة وإذا بهذه الأطعمة ينتهي بها الأمر إلى براميل القمامة من دون أن نستخلص الدرس في اليوم التالي ونراجع مقادير الطعام الذي نطبخه بالتقليل من كميته بما يكفينا ولا يزيد على حاجتنا؛ وهذا يعني أننا لا نهتم أبدا بمسألة كمية الاستهلاك والاكتفاء بما يكفينا ولا يزيد على حاجتنا، يظهر ذلك خاصة في شهر رمضان الذي هو على الأبواب حيث تزدحم صناديق القمامة بأطنان من الأطعمة التي فاضت بها واستقرت في هذه الصناديق. - إن المطاعم والمقاهي تسهم هي الأخرى في هذا الإهدار على نحو غير معقول وغير رشيد؛ فأنت عندما تسافر إلى الخارج وتطلب الطعام من أي مطعم فإن الكمية التي تقدم لك في الغالب لا تزيد على حاجتك بل إنك تشعر في بعض الأحيان أنها قليلة مقارنة بما تعودت عليه من هدر يزيد على الحاجة في حين أن الأمر يختلف عندنا فعندما تطلب أكلا في مطعم من مطاعمنا فإنك في الغالب تجد أن ما يقدم لك يكفي شخصين أو ثلاثة، ولديّ تجربة شخصية تتمثل في أنني في أحيان قليلة اضطر إلى طلب الطعام من المطاعم الشعبية حيث أحذره وأرجو منه بإلحاح أن يقلل من كمية الرز إلى النصف أو أكثر إلا أنني أفاجأ عند الاستهلاك لهذا الطعام بأنه يكفي ثلاثة أشخاص على الأقل، وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة، ويمكنك أن تدخل إلى أي مطعم في البحرين لتجد أن نصف ما قدم لك تضطر إلى تركه على الطاولة بعد الانتهاء من الأكل، وهذا خلل آخر لا يقل خطوة عما يتركه الأفراد والعائلات في بيوتهم. - إن الإهدار في الحقيقة تحول إلى ثقافة تجعله قريبا من مفهوم الكرم ومن مفهوم الخير، في حين أن الإهدار لا يمكن أن يكون كرما ولا يعبر دائما عن حكمة، وهذا السلوك لا يتوقف عند الطعام فقط بل يمس الجوانب الأخرى مثل إهدار الكهرباء والماء وبترول السيارة، وهي أمور مدعومة من الدولة بمئات الملايين من الدنانير كالذي يترك الأضواء والمكيفات تشتغل من دون الحاجة، ما يستدعي إعادة النظر في هذه السلوكيات السلبية؛ فمملكة البحرين درجت منذ عقود طويلة على الاعتماد على وعي المواطن والمقيم في موضوع ترشيد الاستهلاك ولكن يبدو أن هذا الوعي لم يرق إلى الآن إلى المستوى المطلوب الذي يمنع هذا الإهدار الخطير الذي جعلنا نتبوأ المركز الأول عربيا في الإهدار، ولذلك نتمنى من أجهزة الإعلام المختلفة والمدارس والمنابر الدينية أن تتصدى لهذا الموضوع وأن تحاول العودة مجددا إلى حملات التوعية الخاصة بترشيد الاستهلاك لوضع حد لهذه الظاهرة السلبية في مجتمعنا، والله الموفق.

مشاركة :