ما معنى الحوار مع واشنطن؟ د. فاتح عبدالسلام لا توجد دولة كبرى أو صغرى في العالم تستطيع الاستغناء عن الولايات المتحدة ، هذا هو ميزان القوى العالمي الذي يعطي هذه الحقيقة المختصرة، لكن هذا وجه واحد من الحقيقة، ذلك ان الدول تعيد اولويات مصالحها بما لا تدع اكبر قوة عالمية في صراع معها ومن ثم تخسر من حيث موازين الامكانات والتأثير. في العراق، ولحداثة السياسيين الواصلين للحكم مع الاحتلال الامريكي لم تكن هناك رؤية قادرة على استنباط الفوائد الاستراتيجية للبلاد من القوة الامريكية بعد ان اصبح الاحتلال امراً واقعاً . المقاربة غير دقيقة من البداية، ذلك ان الجهد السياسي العراقي كان يميل في قسمه الاساس في السنوات الثلاث الاولى نحو استمداد يد العون لتثبيت حكم العملية السياسية برمتها، ولم يكن مطروحاً في اللغة السياسية الرسمية مسألة الانسحاب الامريكي ، وانما كان هناك قوى مقاومة تدعو لطرد الاحتلال وتدخل في مواجهات عسكرية معه. العالم كله شهد اعترافات لزعامات امريكية كما فعل أيضاً توني بلير في انَّ مبررات الذهاب لاحتلال بلد عضو في الامم المتحدة كانت تستند الى أوهام من حيث ملف أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع تنظيم القاعدة وزعيمه اسامة بن لادن في افغانستان حينها. من هنا كان العراق، لو توافرت له قيادات وطنية لا حزبية تشرذمية بعد الاحتلال مباشرة، أن يطالب بتعويضات تاريخية من الولايات المتحدة، ليس بقصد الحصول على اموال وانما برامج البناء ومشاريع تدعم اعادة تركيب البلد المفكك اقتصاده وقاعدته الصناعية، وليس لدعم جهة دون اخرى في سياق منفعي مفروض. لقد استغرقت الحكومات السابقة في جهل وعجز، ولم تفكر بقيمة العراق التاريخية والحضارية والوطنية، والان الحكومة امام مهمة كبرى لتدارك ما جرى وفات. اول نقطة في الحوار الاستراتيجي المفترض وليس الجاري، هو ان البلد مثل اي بلد آخر من حقه ان تقوم داخله صناعات ثقيلة بفضل دعم النفط والغاز حتى لو كانت صناعات عسكرية، مادامت السياسات سلمية والمسعى تنموياً . ما يصدر عن قرارات من وحي الحوار الجاري هي قرارات سياسية مسبقة لها مبرراتها من الجانبين، لكن نريد اجندة الحوار التي تؤسس لعلاقة امدها المنظور نصف قرن في الاقل . رئيس التحرير-الطبعة الدولية
مشاركة :