الفكر الاستراتيجي والعسكري للملك عبدالعزيز «طيب الله ثراه»

  • 11/19/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هذه المقالة هي الأخيرة عن الاستراتيجيات العسكرية والفكر الذي كان يتبعه القادة المؤثرون فيمن حولهم. المؤسس لهذه البلاد المباركة عاش طفولته الأولى بـ«نجد»، وشارك والده الإمام عبدالرحمن في بعض المشاورات والاتفاقات السياسية التي تمت في تلك الفترة مما أدت الظروف بعدها إلى انتهاء الدولة السعودية الثانية عام 1308هـ الموافق 1894م بمغادرة الإمام عبدالرحمن وأسرته إلى دولة الكويت. كان عمر الملك عبدالعزيز عند مغادرته «الرياض» آنذاك 17 عامًا، فلم يستهويه ما يقوم به الشباب من أفعال وأعمال، إنما كان يفكر ويتأمل في كيفية استرداد ملك آبائه وأجداده، وهذا ما جعله يُكثر من الجلوس في مجلس الشيخ مبارك الصباح بصحبة والده ويستمع للأحاديث السياسية والمناورات الكلامية، ومن هنا تشكلت ثلاثة عوامل رئيسة في شخصية الملك عبدالعزيز أهمها: تدينه على بصيرة وهذا ساهم في تكوين شخصيته أثناء مرحلة التوحيد ومن ثم التأسيس، كما تميز عن بقية الزعامات القبلية وحكام الأقاليم والمناطق آنذاك، كونه صاحب مشروع ورسالة، فهو يدرك جيدًا أن الدولة هي الهدف النهائي لمشروعه، وليس صاحب زعامة يكتفي ببقعة محدودة من الجزيرة العربية، كما أن فهمه للمحددات الدينية والاجتماعية والثقافية ساعده كثيرًا في بناء هوية الدولة. فمن الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية التي اتبعها الملك عبدالعزيز أنه حاول تجنب القتال والحرب ضد خصومه قدر المستطاع أثناء فترة التوحيد، وهذا يدل على فكره الثاقب لتجنب العدوات مع الآخرين، كما أن الملك عبدالعزيز كان يحب نشر التسامح والمحبة بين مجتمعه، فقد كان يعفو عن أعدائه، ويقربهم منه ويحضرون مجلسه حتى أصبحوا موالين وأصدقاء له، فكان يقلب العداءات إلى صداقات أبدية، وإذا لزم الأمر تزوج منهم ليكون هناك قرابة أُسرية بينه وبينهم، والشاهد على ذلك حروب الملك عبدالعزيز أنها لم تكن حروبًا انتقامية أو حروب إبادة لا، إنما كان يسعى لوحدة كاملة لمناطق الجزيرة العربية. والناظر في المشهد السياسي آنذاك يوقن أن علامات الفشل ربما تكون كثيرة ومتوقعة بسبب التنوع القبلي والطائفي وحالة التشرذم المنتشر في البلاد في تلك الفترة، إلا أنه وبعون من الله ثم بالعزيمة القوية التي كان يمتلكها تحقق الطموح واستطاع تأسيس دولة مترامية الأطراف تضم شعبًا ذا هوية واحدة وولاء واحد. الملك عبدالعزيز شخصية عبقرية فذة، فكان يفتح المجال للحوارات مع الساسة والمفكرين والمثقفين، فقد سعى أثناء توحيده وتأسيسه للدولة لاستقطاب الكثير من المفكرين والساسة العرب وغير العرب، فضم مجلسه تلك النخبة المميزة حيث خدم بعضهم في بلاطه واجتهدوا وأصبحوا مواطنين سعوديين، والكثير تحدث عن مدى استطاعة الملك عبدالعزيز التأثير على تلك النخبة، حيث إنهم لم يستطيعوا التأثير عليه، لذلك كان يستفيد منهم ويستمع لهم ويوجههم لما يريد هو لا ما يريدون هم.

مشاركة :