صدر حديثًا كتاب "فتنة الذاكرة والأسئلة في تجربة السعيد المصري الشعرية" لمجموعة من الباحثين، وتقديم الدكتور هلال عبد الرازق صادق، ويتناول الكتاب عدة دراسات بحثية لكل من الدكتور محمد محمد عيسى، وحاتم عبد الهادى السيد، طــارق عمـــران، وفـتحي أبـو المجد، والدكتور خالد جودة أحمد، وياســر المحمـــدي، وفرج مجاهد عبد الوهاب، وسيد مهدى عنبة . وقال الدكتور هلال عبد الرازق صادق في مقدمته: "إن هذا الكتاب يعد بمثابة سيرة حياتية جمعت محطات مهمة في حياة شاعر اعتز ببيئته وتفاعل معها؛ فاتخذ من جزئياتها الصغيرة خيوطًا حريرية، نسج بها صورًا تبدو من الخارج أنها خيالية، ومع إمعان النظر تظهر هذه الصور بوضوح، وكأنها محاكاة لتجارب إنسانية في عوالم لا نستطيع وصفها بأنها عوالم حقيقية أو خيالية، إنما نستطيع أن نتكشف بعد الدخول فيها أنها عوالم خاصة بالشاعر، وتلك الخصوصية لم تكن سببًا في غموض التجربة الشعرية أو غرابتها، بل المقصود من الخصوصية هنا هو علاقة التماهي بين الشاعر وتجربته، فهو أشبه بالراوي الداخلي الذي لا يظهر كأحد أبطال الرواية على الرغم من أنه أهم شخصية في الرواية، فهو «العيَّل تحت الجميزة العجوزة» لا تعرف من يُبكي الآخر، وكأن الزنزانة التي أراد أن يخرج روحه منها أصبحت داخله، فشعر أن «الورد ينزف رائحة الموت»، فكفنها «في قرطاس سلوفان»، ويمني نفسه بالراحة فيردد دائمًا «جايز ترتاح.. جايز»، ولكنه يتذكر أنه دائما «ناسي حاجة» هناك، فيعود إلى جميزته العجوز وكأنه «فرع مقطوع من تلك الشجرة»، و«حيث لا يوجد أحد» يسمع صوتًا «كأنه صوت كمنجه»، فيتسع الأفق أمامه ويصبح «شايف كل حاجة» ويظل يبحث عن الخروج من ذلك الزحام الضبابي الذي جعله لا يرى إلا ظلا أسود كأنه «بانتوميم»، ثم تأتيه لحظة الانفراجة فمن الجائز أن يرتاح أو تخرج روحه من الزنزانة، وتعود فيه الطفولة فكلنا طفل إذا ما وقفنا «قدام قبر أبويا». وتابع أن هذه التجارب وغيرها قد أسهمت ــــ بلا شك ـــــ في تكوين وجدان الشاعر وجعلته يقف منفردًا في رؤيته لجزئيات تجاربه، «السعيد المصري» استطاع دون أن يقصد لهذا أن يجعل من ديوانه مكانًا يشبه خشبة المسرح، ومن قصائده مسرحيات تراجيدية لا تقل زخمًا عن التراجيديات الأخرى، ومن كلماته شخصيات وأحداثًا أعطت أعمق الدلالات بأقل الأصوات، والمتتبع للسيرة الشعرية للشاعر «السعيد المصري»، سيدرك أن الدراسات النقدية التي تناولت أعماله، كانت شهادة له بأنه شغل بال النقاد وأن شعره حقيق بالنظر، وفى هذا الكتاب الذي بين أيدينا «فتـنة الذاكرة والأسئلة.. في تجربة السعيد المصرى الشعـرية»، العديد من الدراسات والرؤى النقدية لمجموعة من الباحثين حول دواوينه الشعرية، معظمها قد نشر في جرائد، ومجلات، ودوريات ثقافية وبعض المواقع الثقافية المتخصصة، كما تضمن الكتاب مجموعة من الحورات الثقافية التى أجريت مع الشاعر حول رؤيته وتجربتة الإبداعية، والتى امتدت نحو ثلاثين عامًا، أثمرت عن خمسة عشر ديوان شعري". وقد جاءت تلك الدراسات بأقلام نقدية حقيقية، لا ترى إلا التجربة، فكان صدور الحكم من أمثالهم تزكية كبيرة لتلك التجربة الفريدة، كما أن الدراسات والمقالات حملت بين سطورها سمات الحرفية والمهنية، وقد نشرت بعض هذه الدراسات في المجلات والصحف، ونشر بعضها في أعمال مؤتمرات أدبية. وذكر: نحن هنا لا نعلن عن ميلاد شاعر جديد، فهو موجود على الخارطة الشعرية منذ صدور ديوانه الأول، وحصوله على المركز الثاني في المسابقة الأدبية المركزية لشعر العامية، إنما الأمر تطلب أن نقتحم هذه التجربة ذات الخصوصية الروحية. وإن طبع هذا العمل وضمه إلى المكتبة النقدية قد يؤدي إلى ظهور دراسات أخرى تقيم هذه التجربة ـــ أو غيرها ــــ وتذكر ما لها وما عليها، ونحن بحق نحتاج إلى هذا النوع من الدراسات الذي ينظر إلى تلك التجارب الشعرية التي لم تأخذ مكانها الصحيح بين التجارب الأخرى.
مشاركة :