إبراهيم آل سنان للثقافية: «البوكر» لا تصنع كاتبا أو مبدعا

  • 4/9/2021
  • 00:00
  • 37
  • 0
  • 0
news-picture

إذا سمعتم يوماً عن الحارس الأول وخط الدفاع المهم عن الكلمات والحروف فعليكم التعرف عليه جيداً، وتحديداً إذا ما جمعتكم به الظروف؛ لأنكم ستطّلعون على أعظم القصص والتجارب؛ يكفينا من هؤلاء أنهم يسهرون حُراسًا على الأحرف قبل خروجها إلينا، وقبل أن تغدو بين أيدينا على هيئة صفحات محاطة بأغلفة تدفئها وتزفّها جميلة لمنابر الإبداع لتستضيفها مكتباتنا وبيوتنا.. وإبراهيم آل سنان أحد هؤلاء الحُرّاس النبلاء؛ فقد قضى سنوات عديدة -ولا يزال- ينافح عن الكلمة، ويحميها من الانكسار، ويعلي شأنها، ويجعلها الصوت المبدع الذي يتحدث نيابةً عنه حين يصمت، أو يغيب. عمِل سابقاً في قطاع النشر كمدير للنشر بدار مدارك التي تُعد أهم وأبرز الدور الخليجية والعربية، ومع هذه المسؤولية إلا أنه لم يكن بعيداً طوال عمله عن مشاريعه الكتابية وهمّه الإبداعي، وإنما نشرَ إبداعه؛ ليُغذي تجربته، ويحافظ على مهارة الكتابة من انقراضها، وتسربها من بين يديه في زحام اشتغالاته بين كتاباته المتنوعة، والقراءة المستمرة، والفاحصة؛ بهدف إتاحة الفرصة للإبداع أن يخرج ليحل محل الغث الذي اعتاد إقصاءه من الظهور طوال حرصه على إنجاز مطبوعات ستظل من بعده ذاكرة للمكتبات العربية، وساكنة للرفوف، ومطلوبة على مدار الأزمنة. كثيرة هي المحاور التي يمكننا ونحن نقف أمام تجربته الذهاب بكم أيها القراء الأعزاء إليها؛ فهيا معًا لنرى مسيرة آل سنان كيف صنعها وكيف صنعته؟.. فإلى نص حوارنا الآتي: * في مقال لكم بعنوان «خارج الصندوق» جمعتم فيه بين اسمين لهما تجربتاهما الروائيتان، هما الأستاذان: عزيز محمد، ومقبول العلوي، وعلّقتم بأنكم لم تسمعوا عنهما إلا بعد إعلانهما ضمن قوائم البوكر.. فبرأيكم هل الجوائز لدينا تصنع الكاتب حقاً؟ - الكاتب يصنع نفسه في كل الأحوال، وهو مؤسسة إبداعية بمفرده، ومن ثم تأتي الأندية الأدبية والجوائز كوسيلة لخدمة إنتاجه الإبداعي، وكثيرًا ما كنت أقول حتى في أيام عملي في الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية، إن هذه الجهات لا تصنع كاتبًا أو مبدعًا إن لم يكن لديه شيء، الجوائز تسلط الضوء على إنتاجه، وتوسع من دائرة انتشاره، وتبرزه وتدمجه في الحراك النقدي والثقافي بحسب مجاله الإبداعي؛ ولذلك ينجح فيها من لا يجعلها هدفًا له، فتراه يعمل متحررًا من قيود الضوابط والمواضيع والقضايا التي قد تبدو من الخارج وللمتلقي معايير لهذه الجوائز. ثم إن الجوائز في نهايتها لا تستطيع أن تغطّي كامل الإنتاج الإبداعي، وتظل مرهونة لظروف الترشيح والمشاركة بحسب دور النشر كالبوكر، أو بحسب قدرة الكاتب على تكوين قاعدة من العلاقات الأدبية والثقافية بتلك المؤسسات الثقافية والأدبية؛ ولذلك نفرح بهذه الجوائز حين تشير بوضوح إلى مؤلف أو مبدع منعزل ومنكفئ على إنتاجه بهدوء وبعيدًا عن الأضواء، وهم الأكثر إبداعًا. * في روايتكم «برزخ بين قلب وعقل أُجاج» اعتمدتم على وضع عناوين داخلية كما لو أنها عبارة عن تنبيهات داخلية تتجمع في الأخير كإيضاحات للقارئ.. فهل ارتأيتم نجاح هذه التقنية الكتابية؟ - أعترف لك أخي جابر أن هذا العمل أتى كتجربة حاولت من خلالها كسر بعض التقنيات في الرواية، ورجحت أن أنطلق من مهارتي في القصص القصيرة، كمحاولة لتكثيف أدواتي فيما أتقنه، ولكنني فشلت في تجاوز مخاوفي سواء على مستوى طرح المواضيع والقضايا في تلك الرواية، أو على مستوى التطرف في التجربة، مما جعل العمل يبدو ضعيفًا غير واضح المعالم، عالقًا في منتصف المسافة بين التقليدية والتجريبية، كما أن اللغة كانت هاجسًا مؤرقًا بالنسبة لي؛ وحاولت أن أصل بها إلى مستويات بلاغية لا تتحملها الرواية التجريبية مما خلق مزيجًا غير متجانس في السرد، تكتمل فيه العناصر، ولكن بطريقة مشتتة داخل البناء الروائي. * روايتكم مرة أخرى تدور حول الشباب والشابات وما يدور بينهما في الخفاء، وإشارات إلى الطبقية المقيتة، والمجتمع الذي يغلق على نفسه خائفاً وقلقاً باستمرار.. رواية شجاعة مقارنة بزمن نشرها 2007م، برأيكم ما الذي جعلها بمعزل عن التناول رغم توقيتها في ذروة السرد السعودي، ورغم صدق قراءتها المجتمعية؟! - كما أسلفت، ربما عناوين القضايا المطروحة في الرواية تبدو شجاعة، ولكن تناولها كان جبانًا -ولا أخجل من قول ذلك- فهو جزء من الحمولة الثقافية التي كنت أحملها كعبء ديني وأخلاقي، واجتماعي، فلامست بحذر الخطوط الحمراء، ومشيت بتوازٍ مع القواعد الاجتماعية والأخلاقية والدينية على استحياء، ولم أكسرها، وتناولت المبادئ والقيم كحكم يقف في المنتصف، وهذا ليس دور الروائي، ولكن دور القارئ، فكنت ألعب دور القارئ في روايتي، قارئ متحفظ محافظ، يريد قراءة ما يؤيد تحفظاته، ويطبطب على ضميره، فكانت صادقة على مستوى التناول كقارئ.. جبانة على مستوى ما يفترض بي كروائي. * من المعروف عنكم، وطوال عملكم مديرًا للنشر، أنكم نجحتم في تسويق أعمال كثيرة، وأوصلتموها لجميع شرائح القرّاء؛ فبرأيكم أيهما أقرب إليكم، النشر أم الكتابة؟ - النشر هو الأقرب؛ عندما تكون قارئًا ناقمًا ناقدًا على أغلب ما تنتجه دور النشر، ثم مؤلفًا يشعر بالظلم وعدم حصوله على حقوقه وأحقيته في الانتشار أو المبيعات، ثم توظف كل هذه الدوافع؛ لتفهم أهم طرفي المعادلة في النشر: القارئ، والمؤلف، تصبح في المنطقة الأكثر مساهمة في الثقافة؛ فتصبح في وسط فيه كثير من جوائز الامتنان، فإن فقدتها في طرف وجدتها من الطرف الآخر، هذه بحد ذاتها تمنحك شعور مُرضٍ بأنك غيرت، أنتجت، تركت أثرًا، حتى لو كانت على مستوى مؤلف واحد أو قارئ واحد. * في عام 2008م أصدرتم مجموعتكم القصصية «خمس دقائق آثمة» عن دار الفارابي، ومن يقرؤها بتمعن سيجد أن مجمل قصصها جميلة، بل مؤثرة.. ولكن قصتَي «شفاعة الخبز - وخمس دقائق آثمة» أخذتا مني مكاناً خاصاً؛ فما الذي خبأته فيهما يا إبراهيم؛ لتبلغاني - وربما الكثير غيري - إلى حد التأثير هذا؟ - المجموعة أتت كتوثيق لمرحلة من الكتابة مارستها خلال الفترة من 2001 إلى 2007 تقريبًا في المنتديات، وأغلبها بأسماء مستعارة، فكانت تؤرخ كل تحولاتي الفكرية والأخلاقية على مدار تلك السنوات، التأرجح بين كوني أحد أبناء الصحوة ومن طلاب الحلقات وأنشطة التوعية الإسلامية، وبين محاولة الانفكاك من كل تطرف أورثتني إياه، وكذلك التورط في الطبقية المادية لشاب يأتي من الأطراف ليصدم بواقع الناس في المدن المركزية، ولكي أكون أكثر صدقًا هو الحقد الطبقي، ومحاولة التعالي على سطوة المادة بالمخزون الفكري والثقافي للاعتداد بالنفس ومنع انكسارها. لم أخبئ شيئًا يا عزيزي جابر، فقط قدمت نفسي التي تشبهك فوجدت نفسك، هذا هو فقط، كنت صادقًا صريحًا وهذا ما منحتني إياه الكتابة في المنتديات بأسماء مستعارة، بساطة وأريحية وتخففًا من كل الخوف. فكنت واضحًا أتحدث نيابة عمن لا يستطيع التحدث بهذه التناقضات التي تشغل ذاته. * كتبتم مقالًا في جريدة الزميلة عكاظ بتاريخ 21 نوفمبر 2012م تحت عنوان «لصوص الثقة»، ومن يقرؤه اليوم سيرى أنه كُتِب برمزية عالية، وحذقة جداً، وكأن الحُب المسرّب فيه رمز للوطن، وأراه اليوم يتقاطع كثيرًا مع توجهات الوطن في اجتثاث الفساد؛ فهل تعِدّ هذا المقال اليوم نداءً في زمن كتابته، أم نبوءة في زمان تحققه!؟ - سعيد بما تفترضه في مقالي، نداءً أو نبوءةً، وسعيد بأن ما كتبت عنه في تلك الفترة أصبح جزءًا كبيرًا منه مدركًا في واقع اليوم، وهدفًا نسعى إلى تحقيقه، وإن اختلفنا على طريقة المعالجة إلا أننا نتفق على الهدف والغاية، ولم يكن الحب رمزًا للوطن، بل كان الوطن رمزًا للحب، الانتماء له ليس مجرد امتيازات أو واجبات هو ارتباط معقد من المبادئ والقيم المتراكمة خلال كل مراحل التغيير التي مررنا بها، الوطن فيها هو الغراء الذي يبقي الفجوات الناشئة من التحولات متماسكة جدًا. كالحب في كل علاقة. * بصفتكم ناشرًا مهتمًا بهذا الجزء، وخلال مسيرتكم لا بد أنّ نصوصاً سعوديةً روائيةً أو شعريةً، وحتى قصصيةً متعددةً، مرّت من خلالكم.. كيف تقيمون الإبداع السعودي على مستوى كُتّاب وكاتبات هذا الجيل؟ وما الذي تقترحونه للنهوض بإبداعات وأعمال المشهد الثقافي السعودي؟ - بصراحة لو سلم المبدعون من الشباب هذه الأيام من محاولات التخلص العشوائية من الأجناس الأدبية لوجدنا إبداعًا مميزًا. النصوص النثرية، والخواطر، تستهلك الكثير من الأفكار واللغة لدى المبدعين الشباب، ولو تم توظيف ذلك الإبداع وأدواته في المسار المتعارف عليه من الآداب التقليدية في البداية، ومن ثم يأتي التحديث والتجريب، لخرجنا بإنتاج عظيم، لا أخفيك التأليف ضعيف، والتكرار في الأفكار والأساليب يبدو لي وكأن المؤلف والمبدع يجاري السائد ويتلمس الشهرة والأكثر مبيعًا كعناصر موجهة لأدبه وإبداعه، وهذا بعكس ما هو مفترض من كل كاتب وكاتبة. * عملتم مع فريق بنادي نجران الأدبي على إصدار مجلة متفردة احتفت بالإبداع والمبدعين زمن إصدارها، ولكنها توقفت فجأةً بإصدارات يتيمة، من وجهة نظركم: لماذا لا تنجح معظم مشاريع أنديتنا الأدبية رغم الدعم المتواصل!؟ - لسبب بسيط، عدم تفرغ العاملين عليها، معاملتها كأنشطة جانبية أو كأندية الهواة، اعتبارها وسيلة للحصول على امتيازات، بل إن بعض الأندية الأدبية أصبحت تجمعات لموظفي قطاعات معينة كالتعليم والجامعات، وهذا ما يجعل الدعم يتوجه إلى غير منافذه الصحيحة، وتصبح المشاريع التي هي المتن هامشًا على أجندة الأندية الأدبية؛ لذلك هي تبدأ بحماس رجل، وتتوقف حين يذهب. هذا هو السبب المعتاد بل إن الكثير ممن يدخلون إليها بحماس ومشاريع نوعية يغرقون في الجو العام والسائد لها، ويفقدون الاهتمام ويكتفون بما يحصل عليه من مميزات. * ما الجُمل الأخيرة التي يود الكاتب إبراهيم آل سنان قولها لقراء الجزيرة الثقافية، وللمبدعين الذين مرّوا من خلاله وأسهم في انتشارهم! - الجزيرة الثقافية وسيط نشر ثقافي، يحمل عبء إبقاء القارئ على اتصال مع المشهد والحراك الثقافي، وهو جهد كبير وليس سهلاً؛ ولذلك فإن الشكر لها سيظل ضئيلاً لقاء ما تقدمه.. أن تقنع القارئ بمبدع أمر صعب، وهذا ما حققته الجزيرة لقرائها ومبدعيها؛ فظفرت بالامتنان والتقدير المستحق.

مشاركة :